ومنها: حسنة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه السَّلام) أَنَّ عَلِيّاً (عليه السَّلام) كَانَ يَقُولُ: مَنْ تَعَلَّمَ مِنَ السِّحْرِ شَيْئاً كَانَ آخِرَ عَهْدِهِ بِرَبِّهِ، وَحَدُّهُ الْقَتْلُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ ...إلخ.[1]
ومنها: زيد الشَّحَّام عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قَالَ: السَّاحِرُ يُضْرَبُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً عَلى أُمِّ رَأْسِهِ.[2] وهي ضعيفة بجهالة حبيب بن الحسن، وجهالة بشَّار، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
ثمَّ إنَّه هل تختصُّ حرمة السَّحر بما إذا كان مضرًّا بالمسحور، أم أنَّ عمل السِّحر حرام لِنفسه؟
ذهب جماعة من الأعلام إلى الأوَّل، أي أنَّ الحرمة مختصَّة بالإضرار بالغير.
والمشهور بينهم على الثاني، أي أنَّه حرام مطلقًا، كما هو مقتضى الأدلَّة السَّابقة الدَّالَّة على ذلك، وعلى اقترانه بالشِّرك.
ويؤيِّده: الاعتبار؛ ضرورة كونه منبع الفساد ومُورِث للشَّكّ في كثير من آيات الله تعالى، ومُوهِم الشَّرِكة مع الله في خَلْقه، وفي عجائبه. وعليه، فليست الحرمة لأجل ترتُّب الإضرار عليه حتَّى يكون محرَّماً لغايته، فيُقال حينئذٍ بحلَّيته عند عدم الإضرار.
وقد استُدلَّ باختصاص الحرمة بالإضرار بالغير برواية يوسف بن محمَّد بن زياد، وعليِّ بن محمَّد بن سيَّار عن أبويهما عن الحسن بن علي العسكريِّ عن آبائه (عليهم السَّلام) -في حديث- قال في قوله عزَّوجلَّ: ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾. (إلى أن قال): فلا تَكْفر باستعمالِ هذا السِّحر وطلب الإِضرار به، ودعاء النَّاس إلى أَنْ يعتقدوا أنَّك به تُحِيي وتُمِيت، وتَفْعَل ما لا يقدر عليه إلَّا الله عزَّ وجلَّ، فإنَّ ذلك كُفْر ...إلخ.[3] وهي ضعيفة بجهالة أكثر من شخص.
وكذا رواية عليِّ بن الجَهْمِ عن الرِّضا (عليه السَّلام)[4] الواردة في قُصَّة "هاروت وماروت"، وهي ضعيفة أيضاً بجهالة أكثر من شخص.
ثمَّ إنَّه مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند، فلا تنافٍ بين هاتين الرِّوايتَيْن وبين الرِّوايات السَّابقة الدَّالَّة على حرمة السِّحر مطلقاً، أي ولو بدون الإضرار؛ هذا كلُّه في عمل السِّحر.
وهل يحرم تعلُّمه لا للعمل به، أو لأجل العمل به عند الاضطرار؟
فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى الجواز، منهم صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: فالظَّاهر جوازه، وفاقاً للأستاذ في شرحه، بل عن تفسير الرازي أنَّه اتَّفق المحقِّقون على ذلك؛ للأصل، ولأنَّ العِلْم في حدِّ ذاته شريف، وأنَّه خَيْر من الجَهْل، وأنَّه لا يستوي مَنْ يعلم ومَنْ لا يعلم، بل ربَّما وجب، حيث يتوقَّف الفَرْق بين المُعجِز والسِّحر عليه. (إلى أن قال): بل قيل: إنَّه لا يخلو منه الأنبياء، وأرباب المكاشفات؛ لأنَّ العلم حسن في الذات. (انتهى كلامه).
أقول: ما ذهب إليه صاحب الجواهر، وغيره من الأعلام، هو الصَّحيح.
وقد يستدلُّ للجواز بدليلَيْن:
الدَّليل الأوَّل: الآية الشَّريفة الواردة في قُصَّة هاروت وماروت الدَّالَّة على حليَّة التَّعليم ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ -الآية-﴾.
الدَّليل الثَّاني: أصل الإباحة ولَفْظ السِّحْر والسَّاحر والسَّحَرة الوارد في الرِّوايات منصرف إلى عمله.
وما ورد في بعض الرِّوايات المتقدِّمة من حسنة إسحاق بن عمَّار، ورواية أبي البُخْتري من تحريم التَّعلُم، محمول على إرادة التَّعلم الذي يتَّبعه العمل، كما يشير إليه ما فيه من كون حدِّه القَتْل، والله العالم.
ثمَّ إنَّه هل يقتل السَّاحر، أم لا؟
المعروف بين الأعلام أنَّه يقتل، سواء كان مستحلّاً للسِّحر، أم لا.
أمَّا إذا كان مستحلّاً فلا إشكال في الحُكْم بقتله؛ لصيرورته بذلك مُنْكِراً لضرورةٍ من ضروريات الدِّين.
وقال صاحب الرِّياض -في باب الحدود-: يقتل السَّاحر إذا كان مسلماً، ويعزَّر إن كان كافراً، فتوًى ونصّاً -ثمَّ قال:- إنَّ مقتضى إطلاق النَّصّ والفتوى بقتله عدم الفرق فيه بين كون مستحلّاً أم لا. (انتهى كلامه).
والخلاصة: أنَّه لا كلام في الحكم بقتله إذا كان مستحلّاً، وإنَّما في جواز قتله إذا لم يكن مستحلّاً.
والإنصاف: أنَّه يقتل، وذلك للرِّوايات الكثيرة، والتي منها معتبرة السَّكوني المتقدِّمة، وحسنة إسحاق بن عمَّار المتقدِّمة أيضاً.
ومنه تعرف عدم صحَّة ما ذكره السَّيِّد أبو القاسم (رحمه الله)، حيث ذكر أنَّ الرِّوايات الواردة في قَتْله ضعيفة السَّند، وغير منجبرة بالشُّهرة الفتوائيَّة. وفيه: ما عرفت من أنَّ رواية السَّكوني معتبرة، كما أنَّ رواية إسحاق بن عمَّار هي حسنة باعترافه هو (رحمه الله).
ولا يخفى أنَّ كلامه (رحمه الله) في السَّاحر غير المستحل، وأمَّا المستحلُّ فقد حَكَم بقتله.
ثمَّ إنَّ ما ذكره إنَّما هو في ساحر المسلمين، وأمَّا ساحر الكفَّار فلا يقتل بل يُعزَّر.
[1] وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب بقيَّة الحدود والتَّعزيرات، ح2.
[2] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب بقيَّة الحدود والتَّعزيرات، ح3.
[3] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب ما يكتسب به، ح4.
[4] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب ما يكتسب به، ح5.
|