• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : المكاسب المحرّمة .
              • القسم الفرعي : التكسب الحرام وأقسامه / المكاسب (أرشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 42 _ التكسّب الحرام وأقسامه (37). أحدها: ما حرم لعينه: الكذب. .

الدرس 42 _ التكسّب الحرام وأقسامه (37). أحدها: ما حرم لعينه: الكذب.

الدليل الثالث على حرمة الكذب: العقل.
ولا إشكال في استقلاليَّته بقُبْح الكذب فيما إذا ترتَّب على الإخبار مفسدةً، ولا سيَّما إذا لم يكن هناك منفعة تعود إلى المُخبِر.
وبالجملة، فالقدر المتيقَّن من حُكْم العقل بقُبْح الكذب هو الكذب المضرّ، مع عدم عَوْد منفعة فيه للمُخبِر.
وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ قُبْح الكذب اقتضائي، وليس ذاتيّاً، بخلاف الظُّلم فإنَّ قُبْحه ذاتيّ.

الدليل الرابع على حرمة الكذب: الإجماع المدَّعى من قبل جماعة من الأعلام، وفي الواقع هو تسالم بينهم، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، وإلَّا كان مدركيّاً، أو محتمل المدركيَّة.
ثمَّ لا ينبغي إطالة الكلام في كون الكذب من الكبائر أم لا؛ لِما عرفت في بعض المناسبات أنَّ الذُّنوب كلّها كبائر، وإن كان بعضها أشدّ من البعض الآخر.

الأمر الثالث: هل حرمة الكذب تختصّ في حال الجِدِّ، أم تشمل حال الهَزْل؟
وقبل بيان ذلك، نقول: إنَّ الهَزْل على قسمين؛ لأنَّه:
تارةً يكون المتكلِّم مُخبِراً عن أمر، ويكون الدَّاعي للإخبار هو الهَزْل، دون الجِدِّ، كما إذا أخبر عن شيء خلاف الواقع، بأن قال أمام الحاضرين: زيد بن فلان تزوج هِنْداً بداعي المزاج والهزل؛ ليُضحِك النَّاس، ففي هذه الحالة يكون كَذِباً وحراماً، لأنَّه إخبار عن خلاف الواقع وإن كان الدَّاعي له هو المزاح والهَزْل.
وأخرى يكون المتكلِّم في مقام الإنشاء، لا الإخبار عن شيء، كما إذا قال زيد لأحد الحاضرين: أهلاً بالشُّجاع مع كون المخاطب جباناً في الواقع، وكان الدَّاعي لإنشاء هذا الكلام هو المزاح والهزل؛ ليُضحِك النَّاس، ففي هذه الحالة لا يحرم الكلام من حيث الكذب؛ لأنَّه لم يخبر عن خلاف الواقع حتى يكون كذباً، بل أنشأ كلاماً بداعي الهَزْل، بلا إخبار. نعم، قد يحرم ذلك من باب توهين المخاطب، وهذا شيء آخر لا ربط له بما نحن فيه.

ثمَّ إنَّه قد يقال: إنَّ المستفاد من بعض الرِّوايات حرمة الهَزْل مطلقاً، سواء كان المتكلِّم مخبِراً بداعي الهَزْل أم مُنشأ:
منها: مرسلة سيف بن عَمِيرة عمَّنْ حدَّثه عن أبي جعفر (عليه السَّلام) قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا) يَقُولُ لِوُلْدِهِ: اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَالْكَبِيرَ، فِي كُلِّ جِدٍّ وَهَزْلٍ ...إلخ.[1] وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإرسال. وثانياً: أنَّ الكذب هو الإخبار عن خلاف الواقع، فإذا كان المتكلِّم قاصداً الإنشاء فقط بداعي الهزل فلا يكون كذباً.
ومنها: رواية الأصبغ بن نباتة قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه ‌السَّلام): لَا يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ حَتّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ هَزْلَهُ وجِدَّه ‌...إلخ.[2] والجواب: هو الجواب عن المرسلة، وهي أيضاً ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن عروة. أضف إلى ذلك: أنَّ المكروه أيضاً يمنع من طعم الإيمان، فلا يظهر منها الحرمة.
ومنها: رواية الحارث عن الأعور عن عليٍّ (عليه السَّلام) قَاْلَ: لَاْ يَصْلُحُ مِنَ الكَذِبِ جِدٌّ وَلَاْ هَزْلٌ ...إلخ.[3] وهي ضعيفة أيضاً بجهالة أبي وكيع. والجواب عنها: هو الجواب السَّابق، مضافاً لِعدم دلالة لَاْ يَصْلُحُ على الحرمة، بل هي ظاهرة في الكراهة.
ومنها: ما في وصيَّة النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرٍّ (رضوان الله عليه) قالَ: يا أبا ذرٍّ! مَنْ ملَكَ ما بين فَخْذَيْه، وما بين لَحْيَيْهِ دَخَل الجنَّة، قلتُ: وإنَّا لَنُؤَاخَذُ بما تنطقُ به ألسنتُنا؟ فقالَ: وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟ إنَّك لا تزالُ سالماً ما سكتَّ، فإذا تكلمتَ كُتِبَ لك أو عليك؛ يا أبا ذرٍّ! إنَّ الرَّجل لَيتكلَّمُ بالكلمة من رضوان الله عزَّوجلّ فيُكتبُ له بها رضوانه يوم القيامة، وإنَّ الرَّجل لَيتكلُّم بالكلمة في المجلس لِيُضْحِكهم بها فيهوى في جهنَّم ما بين السَّماءِ والأرضِ؛ يا أبا ذرٍّ! وَيْل للذي يحدِّثُ فيكذب لِيُضحِك به القومَ، وَيْل له، وَيْل له، وَيْل له ...إلخ.[4]
وجه الاستدلال بها: هو أنَّ الأكاذيب المُضْحِكة أكثرها من قبيل الهَزْل. ولكنَّها ضعيفة بعدَّة أشخاص، بعضهم ضعيف، وبعضهم مجهول الحال؛ والجواب عنها هو الجواب السَّابق.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ المتكلِّم إذا كان في مقام الإنشاء بداعي الهَزْل لا الإخبار عن خلاف الواقع، فلا يدخل في موضوع الكذب، والله العالم.

 

[1] وسائل الشيعة: باب 140 من أبواب أحكام العِشرة. ح1.

[2] وسائل الشيعة: باب 140 من أبواب أحكام العِشرة. ح2.

[3] وسائل الشيعة: باب 140 من أبواب أحكام العِشرة. ح3.

[4] وسائل الشيعة: باب 140 من أبواب أحكام العِشرة. ح4.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2063
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 31-10-2019
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12