• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : المكاسب المحرّمة .
              • القسم الفرعي : التكسب الحرام وأقسامه / المكاسب (أرشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 37 _ التكسّب الحرام وأقسامه (32). أحدها: ما حرم لعينه: الغيبة. .

الدرس 37 _ التكسّب الحرام وأقسامه (32). أحدها: ما حرم لعينه: الغيبة.

ومنها: ما في عقاب الأعمال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال في خطبة له: ومَنْ ردَّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردَّ الله عنه ألف باب من الشَّرّ في الدُّنيا والآخرة، فإنْ لم يردّ عنه وأعجبه كان عليه كوِزْر من اغتاب.[1] وهي ضعيفة بأبي هريرة، وبجهالة أكثر من شخص.

ومنها: رواية أبي الورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: منِ اغتِيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله، وأعانه في الدُّنيا والآخرة؛ ومَنْ لم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه -وهو يقدر على نصرته وعونه- إلا خفضه الله في الدُّنيا والآخرة.[2] وهي ضعيفة بجهالة أبي الورد. والرِّواية الواردة في مدحه -على فرض أنَّه هو نفسه الموجود في سند الرِّواية- ضعيفة بعدم وثاقة سَلْمة بن محرز. وأمَّا وجود أبي الورد في تفسير عليِّ بن بن إبراهيم القمِّي فلا ينفع؛ لأنَّه ليس من مشايخه المباشرين.

ثمَّ لا يخفى أنَّ الردَّ غير النَّهي عن الغِيبة، فإنَّ النَّهي داخل في النَّهي عن المنكر.
والمراد بالردِّ هو الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغِيبة، فإن كان عيباً دُنْيويّاً انتصر له، بأنَّ العيب ليس إلَّا ما عاب الله به من المعاصي، وإن كان عيباً دينيّاً وجَّهه بمحامل تخرجه عن المعصية، فإنْ لم يقبل التوجيه انتصر له بأنَّ المؤمن قد يبتلى بالمعصية، وليس هو معصوماً، وينبغي أن يستغفر له، ونحو ذلك.
وبالجملة، فإنَّ عدم الردِّ يُعدُّ من الخُذلان.

الأمر الرَّابع: في كفارة الغِيبة.
أقول: الوجوه المحتملة في المقام كثيرة:
منها: الاستحلال من المغتاب.
ومنها: الاستغفار له.
ومنها: كلا الأمرين معاً.
ومنها: أحدهما على التخيير.
ومنها: التفصيل بين إمكان الاستحلال، فيجب الاستحلال منه، وبين عدم إمكانه فيجب الاستغفار له.

ومنها: -وهو الصَّحيح عندنا وعند الأكثر-: أنَّه لا كفارة لها، بل الواجب على المغتاب -بالكسر- الاستغفار من الذَّنب، والتَّوبة. نعم، الأحوط استحباباً الاستحلال إنْ يَسُر، وإلَّا فالاستغفار له، ويتَّضح صحَّة ما ذكرناه من بطلان الوجوه المتقدِّمة، ببيان الأدلَّة التي ذُكِرت لوجوب الاستحلال من المغتاب -بالفتح- والاستغفار له.

أمَّا وجوب الاستحلال منه، فقدِ استُدل لذلك بجملة من الرِّوايات:
منها: ما تقدَّم من وصيَّة النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرٍّ (رضوان الله عليه)، حيث ورد فيها: والغِيبة لا تُغْفَر حتَّى يغفرَها صاحبها.[3] وقد عرفت أنَّها ضعيفة السَّند.
ومنها: ما رواه محمَّد بن عليِّ الكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً لا براءة له منها إلَّا بالأداء أو العفو: يغفر زلته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمَّته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته. (إلى أن يقول): وينصره ظالماً ومظلوماً، فأمَّا نصرته ظالماً فيردّه عن ظلمه، وأمَّا نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقِّه. (إلى أن يقول): ثمَّ قال (عليه السلام): سمعتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إنَّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له وعليه.[4]
ووجه الاستدلال: أنَّ الغِيبة من حقوق النَّاس، وقد ورد في الرِّوايات الكثيرة أنَّ حقَّ المؤمن على المؤمن أنْ لا يغتابه. وقد دلَّت هذه الرِّواية على أنَّ حقوق النَّاس لا ترتفع إلَّا بإسقاط صاحب الحقِّ، أُنظر إلى قوله (صلى الله عليه وآله): إنَّ أحدَكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً....
وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بجهالة كلٍّ من الحسين بن محمَّد بن عليِّ الصَّيرفي، ومحمَّد بن عليِّ الجِعَابي.
وثانياً: أنَّ من حقِّ المؤمن على المؤمن أنْ لا يغتابه، ولكن بعد الاغتياب سقط هذا الحقّ، ولم يثبت حقّ آخر للمغتاب حتَّى يجب التحلُّل منه.
وثالثاً: على فرض ثبوت حقِّ الغِيبة، فإنَّ مثلها مثل حقوق الله وإن كانت متعلِّقةً بالنَّاس، والتعلُّق بالنَّاس أعمُّ من كونه كالمال الثابت بقاؤه في الذمَّة، المتوقِّف فراغ الذمَّة منه على الإبراء، ونحوه.
وعليه، فإنْ كان التعلُّق أعمّ من كونه كالمال، فيكفي فيها التَّوبة، ولا يحتاج إلى التحليل من المغتاب.
أضف إلى ذلك: أنَّ الرِّواية مشتملة على حقوق لا يوجد قائل بوجوب أدائها، كعيادة المريض، وحضور الميت، وغيرها. ومن المعلوم بالبداهة أنَّ مَنْ لم يعمل بالحقوق المذكورة في الرِّواية فلا يجب عليه قطعاً أن يستحلَّ من ذي الحقِّ مع التمكُّن ومن وَليِّه مع عدمه؛ لأنَّها أمور أخلاقيَّة ينبغي مراعاتها فقط.

ومنها: ما ورد من طرق العامَّة عن النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله): مَنْ كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فَلْيستحلّها.[5] وهي وإن كانت دلالتها تامَّة، إلَّا أنَّها ضعيفة جدّاً، كما لا يخفى.
ومنها: ما في جامع الأخبار قال: قال (صلى الله عليه وآله): منِ اغتاب مسلماً أو مسلمةً لم يقبل الله صلاته، ولا صيامه، أربعين يوماً وليلةً إلَّا أن يغفر له صاحبه.[6] وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإرسال. وثانياً: أنَّه لم يذكر فقيه، ولا متفقِّه، أنَّ عبادة المغتاب -بالكسر- باطلة، وأنَّه بعد الاستحلال يجب عليه القضاء. وعليه، فيحمل الاستحلال على الأمور الأخلاقيَّة التي ينبغي مراعاتها.
والخلاصة إلى هنا: أنَّه لم يثبت وجوب الاستحلال من المغتاب -بالفتح-. ويؤيِّده: أنَّ إخباره بذلك ربَّما أثار فتنة أو زيادة حقد وبغض في القلوب، كما هو ظاهر من أحوال بعض النَّاس.

 

[1] وسائل الشيعة: باب 156 من أبواب أحكام العِشرة، ح5.

[2] وسائل الشيعة: باب 156 من أبواب أحكام العِشرة، ح2.

[3] وسائل الشيعة: باب 152 من أبواب أحكام العِشرة، ح9.

[4] وسائل الشيعة: باب 122 من أبواب أحكام العِشرة، ح24.

[5] سنن البيهقي: ج6، ص83.

[6] مستدرك الوسائل: باب 132 من أبواب أحكام العشرة، ح43.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2058
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 23-04-2019
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12