• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاجتهاد والتقليد / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 52 _ الاجتهاد والتقليد 52 .

الدرس 52 _ الاجتهاد والتقليد 52

ومهما يكن، فإن أحسن ما استدل لهذا القول صحيحة عبد الله بن أبي يعفور، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم. فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف (وكف البطن) والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك. والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ وحفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّا من علّة فإذا كان كذلك لازماً لمصلّاه عند حضور الصلوات فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا ما رأينا منه إلا خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين. وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلّاه ويتعاهد جماعة المسلمين وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيّع ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) همّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك. وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من الله عزّ وجل ومن رسوله (صلّى الله عليه وآله) فيه الحرق في جوف بيته، وقد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علّة».[1] وهذه الرواية بطريق الشيخ الصدوق هي صحيحة. لا يقال: إن في السند أحمد بن محمد بن يحيى العطار وهو غير موثق. فإنه يقال: إنه من مشايخ الشيخ الصدوق، وهو من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته. نعم، هي بطريق الشيخ الطوسي ضعيفة بمحمد بن موسى الهمداني.

وهذه الصحيحة استدل بها السيد محسن الحكيم (رحمه الله) في المستمسك على القول بأن العدالة هي الملكة. قال: «وتقريب الاستدلال به ان ظاهر السؤال فيه وإن كان السؤال عن الطريق إلى العدالة بعد معرفة مفهومها لكن يتعين حمله على السؤال عن مفهومها بقرينة ما في الجواب فإن الستر والعفاف المذكورين فيه من سنخ الملكات وكف البطن وما بعده من سنخ الأفعال فلو كان ذلك طريقاً إلى العدالة لزم كونها أمراً آخر وراء ما ذكر وهو ممّا لم يقل به أحد ولا يمكن الالتزام به فيتعين لذلك حمل السؤال على السؤال عن مفهومها لجهل السائل به الموجب للجهل بوجودها، ويشهد لذلك أيضاً قوله (عليه السّلام): «والدلالة على ...»، فإنه كالصريح في كونه وارداً لبيان الطريق، فإن كان المراد منه بيان الطريق إلى العدالة، فحمل الأول على بيان الطريق أيضاً يلزم منه أن يكون المقصود جعل طريقين إلى العدالة، ولأجل أن الأوّل أخصّ يكون لغواً، وان كان المراد منه الطريق إلى الأوّل فيكون طريقاً إلى الطريق، فهو -مع بعده في نفسه- ينافيه قوله (عليه السّلام) بعده: «ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته»، فإنه ظاهر في كونه طريقاً إلى العدالة لا طريقاً إلى الطريق إليها. (إلى أن قال): والمتحصل ممّا ذكرنا أن الرواية الشريفة صدر الجواب فيها ظاهر في بيان مفهوم العدالة، وما بعده ظاهر في بيان الطريق إلى المصداق...الخ». (انتهى كلام السيد محسن الحكيم).

أقول: يظهر من الصحيحة أنها واردة في مقام الإثبات والكشف عن العدالة، وأنه كيف تُحرز العدالة، وليست في مقام تعريف العدالة وبيان الحدّ لها، وذلك فإن قوله (عليه السّلام) في الجواب: «أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن ...الخ». قرينة واضحة على ما نقول، لأن العدالة -بناءً على أنها ملكة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى ...الخ- تكون من الصفات النفسية ومن مقولة الكيف النفساني.
ومن المعلوم، أن المعرفة بالستر والعفاف ليس من الصفات النفسانية كي تكون بياناً وحدّاً للعدالة، فإن معرفة الرجل بالعفة والستر هو طريق إلى نفس العدالة، ومن سنخ الأفعال الخارجية بل حتى لو كان جواب الإمام (عليه السّلام) هكذا: ان العدالة هي الستر والعفاف بدون ذكر المعرفة، لحملنا جوابه (عليه السّلام) على أنه كاشف عن العدالة وطريق إليها، لأن الستر والعفاف من الأفعال الخارجية، وليسا من الأفعال النفسانية، فضلاً عن كونهما من الصفات النفسانية.

وقد عرفت في بعض المناسبات، ان الأفعال النفسية والقلبية مثل الاعتقاد والتشريع والتسليم والانقياد والتجرّي ونحو ذلك، والصفات النفسية مثل الإرادة والعلم ونحو ذلك.
وأما العفة والستر وكف البطن والفرج واليد واللسان فهذه من الأفعال الخارجية، فإن العفة عبارة عن الامتناع عن ارتكاب المحرّم في الخارج، فيقال: فلان عفيف أي لم يرتكب الحرام خارجاً، وكذا الستر فهو بمعنى التغطية، وهو كناية عن عدم ارتكاب المحرّم خارجاً.
وأما كف البطن والفرج واليد واللسان فهو واضح جدّاً كونه من الأفعال الخارجية.
والخلاصة إلى هنا: أن قوله (عليه السّلام): «أن تعرفوه بالستر والعفاف ...الخ»، هو طريق وبيان للعدالة، لا أنه نفسها.
وأما قوله (عليه السّلام): «ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار من شرب الخمر والزنا...إلخ»، فظاهره أنه متممّ للكشف أي يعرف أيضاً بذلك، كما يعرف بما تقدم، فكل منهما كاشف عن العدالة وطريق إليها.
ثم أنه (عليه السّلام) لما ذكر الأمور التي يستكشف منها العدالة كالستر والعفة وكف البطن والفرج وترك شرب الخمر والربا وعقوق الوالدين ...الخ، ذكر جامعاً لكل هذه الأمور، وهو قوله (عليه السّلام): «والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه» أي مجتنباً عن كل المحرمات فيستكشف من ذلك العدالة، فيكون قوله (عليه السّلام): «والدلالة على ذلك كلّه ...إلخ» من أكمل الطرق وأشملها للعدالة. فلا إشكال حينئذٍ في كون كل منهما أي قوله (عليه السّلام): «أن تعرفوه بالستر...الخ»، وقوله (عليه السّلام): «والدلالة على ذلك...الخ» طريقاً للعدالة، بعد أن كان الطريق الثاني أشمل، ولا يلزم من ذلك كون الطريق الأوّل لغواً للاستغناء عنه بالثاني، إذ قد يكون هناك غرض في ذكر وتعداد الأمور التي يستكشف منها العدالة.
والخلاصة: أن هذه الصحيحة لا دلالة فيها على القول بالملكة بوجه من الوجوه، مع أنها قد اشتملت على ما لا يقدح في العدالة بالاتفاق، كحضور الجماعة ودلّت أيضاً، على أن حضور الجماعة واجب، وأنه يحرق بيت من لم يحضرها.
ولعلّ المراد: «من لم يحضرها» رغبة عنها مع وجود إمام المسلمين الإمام المعصوم (عليه السّلام)، فإن ذلك قد يؤدي إلى الكفر.

 

[1] وسائل الشيعة: باب ٤١ من أبواب كتاب الشهادات، ح١.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2044
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 19-02-2020
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28