وفي بعض الأخبار أنّها عمود، فقد روى جابر عن أبي جعفر عليه السلام «قال: الصَّلاة عمود الدين، مثلها كمثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود ثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتد، ولا طنب»([1])، ولكنّها ضعيفة بعمَرِو بن شَمِر.
وفي بعض الروايات أنّها أوَّل ما يُنظَر فيه من عمل ابن آدم، ففي رواية عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليه السلام «قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن عمود الدين الصَّلاة، وهي أول ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نُظر في عمله، وإن لم تصحّ لم يُنظر في بقيّة عمله»([2])، ولكنَّها ضعيفة بجهالة عيسى وأبيه وجدِّه.
وفي بعض الروايات: أنَّ العبد لا يُقبل من صلاته إلاَّ ما أقبل عليه بقلبه، ففي صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «قال: إنَّ العبد ليُرفع له من صلاته نصفها، أو ثلثها، أو ربعها، أو خمسها، فما يرفع له إلاَّ ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنَّما أمرنا بالنافلة ليتمّ لهم بها ما نقصوا من الفريضة»([3]).
قال الشهيد الثاني في شرح النفلية: «اِعلم أنَّ ظاهر الخبر يقتضي أنّ النوافل تكمل ما فات من الفريضة، بسبب ترك الإقبال بها، وإن لم تقبل النوافل، بل متى كانت صحيحة، إذ لولا ذلك لاحتاجت النوافل حينئذٍ إلى مكمّل آخر، ويتسلسل...».
وبالجملة: فما ورد من النصوص في فضل الصَّلاة أكثر من أن يحصى.
الصلاة لغة:
ثمّ اعلم أنّ الصَّلاة في اللغة: الدعاء، وذكر جماعة من الأعلام أنَّ الصَّلاة من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الناس: الدعاء، وفي رواية ابن أبي حمزة عن أبيه «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، فقال: الصَّلاة من الله عز وجل رحمة، ومن الملائكة تزكية (بركة خ ل)، ومن الناس دعاء، وأمّا قوله عز وجل: وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، فإنّه يعني التسليم له فيما ورد عنه...»([4])، ولكنّها ضعيفة بأكثر من شخص.
الصلاة شرعاً:
وأمّا شرعاً فلا بدّ من قدر جامع هو المسمّى بالصَّلاة، سواء على القول بالصحيح، أو الأعم، ويكون ذلك الجامع منطبقاً على أفراده مثلاً، فإنّ للصّلاة أفراداً عرضيّة وطوليّة تختلف باختلاف حالات المكلَّفين من حيث السفر، والحضر، ونحو ذلك، فلا بدّ أن يكون هناك جامع يكون هو المسمّى بالصَّلاة.
وقد يتوهَّم عدم الحاجة إلى تصوير الجامع، باعتبار أنّ لفظة الصَّلاة موضوعة بالاشتراك اللفظي لكلّ من هذه الأفراد، بحيث يكون لكلّ فرد وضع يخصه، ولكن ذكرنا في علم الأصول أنّ الاشتراك اللفظي مقطوع البطلان فراجع، كما أنّنا أبطلنا مقالة الشيخ النائيني رحمه الله حيث قال: «إنّا لسنا بحاجة إلى تصوير جامع، لأنّ الصَّلاة موضوعة لقسم خاصٍّ من الصحيح، وهو الصحيح الأعلائي، أي: صلاة العالم القادر المختار، أمَّا استعمالها في باقي الأقسام فهو من باب الادّعاء والتنزيل والعناية» فراجع ما ذكرناه.
ثمّ إنّه ذُكرت عدّة محاولات لتصوير الجامع على القول بالصحيح، كما أنّه ذُكرت عدّة محاولاتٍ لتصوير الجامع على القول بالأعمّ، وبيّنا ما هو الإنصاف في المسألة، فراجع. وعلى كل حالٍ فهي أشهر من أن يتوقّف معناها على التعريف اللفظي.
قال الشهيد الأول في الدروس: وهي إما واجبة، وهي سبع: اليومية والجمعة والعيدين والايات والطواف والجنائز والملتزم بنذر وشبهه(1). او مندوبة وهي ما عداها(2). فاليومية خمس: الظهر، والعصر، والعشاء، كل واحدة اربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والصبح ركعتين(3)
(1) «هذا هو المعروف بين الأعلام، وعدّها بعضهم تسعة، بجعل الكسوف والزلزلة مقابل الآيات.
والمراد بالطواف: الطواف الواجب، كما أنّ المراد بشبه النذر: العهد واليمين والإجارة، ويندرج في اليومية: الأداء والقضاء وصلاة الاحتياط.
ولا يخفى أن عدّ الصَّلاة على الجنائز من جملة السبع مبنيٌّ على المسامحة، لأنّ صلاة الأموات ليست صلاة حقيقةً، وإنّما هي دعاء، إذ لا يوجد فيها شيء من حقيقة الصَّلاة، لا الفاتحة، ولا الطهارة من الحدث، ولا الركوع، ولا السجود، وغير ذلك، فلذا لو عدّت الصَّلاة الواجبة بستِّ صلواتٍ كان أليق، بل يمكن عدّها خمسة، بإدراج الجمعة في اليومية.
وأمّا الدليل على وجوب كلّ واحدة من المذكورات فسيأتي إن شاء الله تعالى في محلّه عند التعرّض لكلّ واحدة بالخصوص.
(2) «سنذكر المندوبات إن شاء الله تعالى وهي كثيرة، كما سنبيِّن أنّ الوتر ليست واجبة، خلافاً لأبي حنيفة.
(3) هناك تسالم بين الأعلام على كون اليوميَّة خمس فرائض، بل هو من ضروريات الدين، وقد كانت في الأصل خمسين، إلاّ أنّه صلى الله عليه وآله وسلم طلب من ربّه التخفيف عن أمته، حتّى أنهاها إلى خمس، قال الشيخ الصدوق في الفقيه «قال عليه السلام: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا أُسرِي به أمره ربه بخمسين صلاة فمرّ على النبيين، نبيّ نبيّيّ لا يسألونه عن شيء، حتّى انتهى إلى موسى بن عمران عليه السلام، فقال: بأيّ شيءٍ أمرك ربّك؟ فقال: بخمسين صلاة، فقال: اسأل ربّك التخفيف، فإنّ أمتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه فحطّ عنه عشراً، ثمّ مرّ بالنبيين، نبيّ نبيّ، لا يسألونه عن شيءٍ، حتّى مرّ بموسى بن عمران عليه السلام فقال: بأيّ شيء أمرك ربك؟ فقال: بأربعين صلاة، فقال: اسأل ربّك التخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فسأل ربّه فحطّ عنه عشراً، ثمّ مرّ بالنبيين، نبيّ نبيّ، لا يسألونه عن شيءٍ حتّى مرّ بموسى عليه السلام، فقال: بأيّ شيءٍ أمرك ربّك؟ فقال: بثلاثين صلاة، فقال: اسأل ربك التخفيف، فإنّ أمتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه، فحطّ عنه عشراً، ثمّ مرّ بالنبيين، نبيّ نبيّ، لا يسألونه عن شيءٍ، حتّى مرّ بموسى عليه السلام، فقال: بأيّ شيءٍ أمرك ربّك؟ فقال: بعشرين صلاة، فقال: اسأل ربّك التخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه، فحطّ عنه عشراً، ثمّ مرّ بالنبيين نبيّ نبي، لا يسألونه عن شيء، حتّى مرّ بموسى عليه السلام، فقال: بأي شيء أمرك ربك؟ فقال: بعشر صلوات، فقال: اسأل ربّك التخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فإنّي جئت إلى بني إسرائيل بما افترض الله عليهم، فلم يأخذوا به، ولم يقرّوا عليه، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربّه فخفّف عنه، فجعلها خمساً، ثمَّ مرَّ بالنبيين، نبيّ نبيّ، لا يسألونه عن شيء، حتّى مرّ بموسى عليه السلام، فقال له: بأي شيءٍ أمرك ربك؟ فقال: بخمس صلوات، فقال: اسأل ربّك التخفيف عن أمّتك، إنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فقال: إنّي لأستحيي أن أعود إلى ربّي فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس صلوات»([5]).
وهذه الرواية، وإن كانت في الفقيه مرسلة، إلاّ أنَّها حسنة في تفسير عليّ بن إبراهيم، حيث رواها في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام ولكن مع اختلافٍ يسير.
وقد روي: أنَّها كانت خمسين من طرق العامة، فراجع صحيح البخاري([6])، والجامع الصحيح، وسنن النَّسَائيّ.
([1]) الوسائل باب 6 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح12.
([2]) الوسائل باب 8 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح13.
([3]) الوسائل باب 17 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح3.
([4]) الوسائل باب 35 من أبواب الذِّكر ح1.
([5]) الوسائل باب 2 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح5.
([6]) البخاري 1/98، والجامع الصحيح 1/417 ح213، وسنن النَّسَائيّ 1/200.
|