• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث صلاة المسافر / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس 810 _ صلاة المسافر 20 .

الدرس 810 _ صلاة المسافر 20

وأمَّا القول الثالث ­ وهو التخيير بين القصر والإتمام ­:
فقد يستدلُّ له بأنَّه مقتضى الجمع بين الرِّوايات المستدلّ بها على التَّمام، وبين الرِّوايات المستدلّ بها على تعيُّن التقصير، كما في روايات خروج أهل مكَّة إلى عرفات، فيرفع اليد عن ظهورها الأوَّلي في تعيُّن التَّمام، وظهور الثانية في تعيُّن التقصير، ونحمل الرِّوايات على التخيير.
ويؤكِّد هذا الحمل: نسبة التخيير إلى دين الإماميَّة في الأمالي، ودعوى الإجماع من العلاَّمة (رحمه الله) على جواز التَّمام.

وفيه أوَّلاً: أنَّه لا يوجد رواية معتبرة دالَّة على التَّمام في قاصد الرُّجوع لغير يومه حتَّى يجمع بينهما. وثانياً: أنَّه لا يوجد شاهد من الرِّوايات على هذا الجمع.

وأمَّا نسبة التخيير إلى دين الإماميَّة، فلم يثبت إرادة الإجماع منه؛ إذ من المحتمل إن لم يكن الظَّاهر إرادة ثبوته من دينهم، وإن كان بطريق ظني. ولو سلِّم، فهي معارضة بنسبة ابن أبي عقيل (رحمه الله) وجوب التقصير إلى آل الرَّسول (عليهم السلام) التي هي أصرح في دعوى الإجماع.

وما عن العلامة (رحمه الله) في التحرير من دعوى الإجماع على جواز التمام، وحصول البراءة بلا خلاف، منزَّل على إرادة الإجماع من الملتزمين بالتَّمام.

أضف إلى كلِّ ذلك: أنَّ الإجماع غير حجَّة حتَّى يكون شاهد صدق.

وأمَّا استدلال العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف على التَّمام: بأنَّه أحوط، الذي ربَّما يُوهِم أنَّه متَّفق على التَّمام؛ باعتبار توقُّف الاحتياط عليه، فمراده الاحتياط بالنسبة إلى هذين القولين ­ القول بالتخيير والقول بالتَّمام ­ بقرينة ذكره ذلك في ترجيح الإتمام على التخيير.

وقد يستدلُّ للقول بالتخيير بما في الفِقه الرَّضوي، قال: «فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت، لأن ذهابك ومجيئك بريدان». وقوله: «وإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ، ولم ترد الرجوع من يومك، فأنت بالخيار: فإن شئت أتممت، وإن شئت قصرت». وفيه ­ ما ذكرناه في أكثر من مناسبة ­: أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي لم يثبت كونه للإمام (عليه السلام)، بل الظَّاهر أنَّه فتاوى لابن بابويه (رحمه الله)، إلاَّ ما كان فيه بعنوان (رُوِي) فتكون روايةً مرسلةً.

أضف إلى كلِّ ذلك: أنَّ الرِّوايات الدَّالة على خروج أهل مكَّة إلى عرفات آبية عن الحمل على التخيير؛ لأنَّها نصّ في تعيُّن التقصير، وقد ذكرنا الرِّوايات سابقاً.

ومن جملة الرِّوايات التي لم تُذكَر سابقاً ­ مع كونها آبية عن الحمل على التخيير ­ حسنة زرارة، ونذكرها بطولها لِما فيه من الفوائد عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: حَجَّ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله)، فَأَقَامَ بِمِنًى ثَلَاثاً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَنَعَ ذلِكَ أَبُو بَكْرٍ، وصَنَعَ ذلِكَ عُمَرُ، ثُمَّ صَنَعَ ذلِكَ عُثْمَانُ سِتَّ سِنِينَ، ثُمَّ أَكْمَلَهَا عُثْمَانُ أَرْبَعاً، فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعاً، ثُمَّ تَمَارَضَ لِيَشُدَّ بِذلِكَ بِدْعَتَهُ، فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: اذْهَبْ إِلى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقُلْ لَهُ: فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ الْعَصْرَ، فَأَتَى الْمُؤَذِّنُ عَلِيّاً (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عُثْمَانَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلّيَ بِالنَّاسِ الْعَصْرَ، فَقَالَ: إِذَنْ لَا أُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا صَلّى رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله)، فَذَهَبَ الْمُؤَذِّنُ، فَأَخْبَرَ عُثْمَانَ بِمَا قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام)، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ هذَا فِي شَيْءٍ، اذْهَبْ فَصَلِّ كَمَا تُؤْمَرُ، فقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): لَا وَالله، لَا أَفْعَلُ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ، فَصَلّى بِهِمْ أَرْبَعاً، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَصَلّى بِالنَّاسِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ الظُّهْرَ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَنَظَرَتْ بَنُو أُمَيَّةَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، وَثَقِيفٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ قَضى عَلى صَاحِبِكُمْ وَخَالَفَ، وَأَشْمَتَ بِهِ عَدُوَّهُ، فَقَامُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: أَتَدْرِي مَا صَنَعْتَ؟ مَا زِدْتَ عَلى أَنْ قَضَيْتَ عَلى صَاحِبِنَا، وَأَشْمَتَّ بِهِ عَدُوَّهُ، وَرَغِبْتَ عَنْ صَنِيعِهِ وَسُنَّتِهِ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ، أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله) صَلّى فِي هذَا الْمَكَانِ رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَصَلّى صَاحِبُكُمْ سِتَّ سِنِينَ كَذلِكَ، فَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله) وَمَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، فَقَالُوا: لَا وَاللهِ، مَا نَرْضى عَنْكَ إِلاَّ بِذلِكَ، قَالَ: (فأقبلوا فَأَقِيلُوا؛ فَإِنِّي مُشَفِّعُكُمْ، وَرَاجِعٌ إِلى سُنَّةِ صَاحِبِكُمْ، فَصَلَّى الْعَصْرَ أَرْبَعاً، فَلَمْ يَزَلِ الْخُلَفَاءُ وَالْأُمَرَاءُ عَلى ذلِكَ إِلَى الْيَوْمِ».[1] وهي واضحة جدّاً في كونها آبية عن الحمل على التخيير؛ إذ لو جاز التخيير، فلماذا هذا الإصرار الشَّديد من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على التقصير.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى هو القول الأوَّل، أي تعيُّن القصر لمريد الرُّجوع لغير يومه.

 

[1] وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب صلاة المسافر ح9.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1974
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 03-12-2019
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12