• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : التعادل والتراجيح / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 32 _ التعادل والتراجيح 32 .

الدرس 32 _ التعادل والتراجيح 32

 [الأمر السابع: في بيان المزيّة التي توجب الجمع بين المتعارضين في الدلالة]
لا زال الكلام فيما:
إذا ورد عام وخاص متخالفان
: فإمّا أن يكونا متقارنين، وأمّا أن يكونا متعاقبين.
وعلى الثاني -أي متعاقبين- فالمتقدم منهما: إمّا أن يكون هو العام. وإمّا ان يكون هو الخاص.
وعلى التقديرين فالخاص أو العام المتأخر: إمّا أن يكون وروده قبل وقت العمل بالمتقدم. وإمّا أن يكون وروده بعد وقت العمل به.

وقد ذكر جماعة من الأعلام: أن في جميع هذه الفروض يتأتى الدوران بين النسخ والتخصيص.
ويظهر من جماعة أخرى من الأعلام
: التفصيل بين الشقوق المذكورة للعام والخاص من حيث الناسخية تارة والمخصصّية أخرى، والقابلية للأمرين ثالثة.
والإنصاف: ان هذا التفصيل مبنيّ على مقدمتين:
المقدمة الأوّلى: قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة.
المقدمة الثانية: كون النسخ رفعاً للحكم الفعلي من جميع الجهات.
وقبل النقاش في هاتين المقدمتين، نقول: إنه في صورة التقارن أي كون الخاص مقترناً بالعام زماناً سواء صدر كلاهما من إمام واحد، كما إذا صدر العام بالقول والخاص بالإشارة أو صدر أحدهما من إمام والآخر من إمام آخر، فإنه لا إشكال في هذه الصورة في كون الخاص مخصّصاً، إذ لا يقترن الناسخ والمنسوخ زماناً، لإن النسخ عبارة عن انتهاء الحكم بانتهاء أمده، ممّا يفرض أن يكون الناسخ متأخراً زماناً عن المنسوخ. وبالجملة، فإنه في صورة التقارن تخرج المسألة عن محل النزاع.

إذا عرفت ذلك، فلنرجع إلى المقدمتين المبنيّ عليهما التفصيل المتقدم:
أمّا المقدمة الأولى: وهي قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، حيث ذهب جماعة من الاعلام إلى كون الخاص الوارد بعد العام، وبعد حضور وقت العمل بالعام ناسخاً له لا مخصّصاً، لأنه لو كان مخصّصاً للزم تأخير البيان -وهو الخاص المبيّن للمراد من العام- عن وقت الحاجة، وهو قبيح، لأنه قد يوجب وقوع المكلّف في المشقّة من دون مقتضى لها في الواقع، كما إذا افترضنا أن العام مشتمل على حكم إلزامي في الظاهر ولكن كان بعض أفراده في الواقع مشتملاً على حكم ترخيصي، فإنه لا محالة يوجب إلزام المكلف ووقوعه بالإضافة إلى تلك الأفراد المباحة في المشقّة والكلفة من دون موجب ومقتضى لها، وهو قبيح من الحكيم.
وقد يوجب تفويت المصلحة الملزمة عليهم، كما لو قال: يستحب إكرام العلماء، فترك المكلف الإكرام، لكونه غير إلزامي ثم قال بعد حضور وقت العمل بالعام: يجب أن تكرم المجتهدين منهم.
وقد يوجب إيقاعهم في المفسدة، كما في المثال الأول، حيث فرضنا ان المكلف اكرم عالماً فاسقاً، ثم ورد الخاص الدال على حرمة إكرامه بعد حضور وقت العمل بالعام، وكل ذلك قبيح محال على الحكيم.
ولكن الإنصاف، أن القبح:
تارة: يكون ذاتياً، وذلك فيما لو كان موضوعه علّة تامة له، فلا يصّح انفكاكه عنه، وهذا لا يكون إلّا في قبح الظلم.
وأخرى: يكون القبح اقتضائيا، وذلك فيما لو لم يكن موضوعه علّة تامة له، فيصح انفكاكه عنه، كالكذب الذي يكون قبحه اقتضائياً وليس ذاتياً، فهو قبيح في نفسه مع قطع النظر عن عروض أي عنوان حسن عليه، ومن هنا، لو توقف نجاة المؤمن من القتل على الكذب لا يكون حينئذٍ قبيحاً بل هو حسن يُلزم به العقل.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إن قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة قبح اقتضائي، وبالتالي لا يلزمه القبح دائماً، إذ قد يكون حسناً كما لو لزم من التعجيل مفسدة أقوى من المفسدة الحاصلة من تأخير البيان أو لزم من التأخير مصلحة أقوى من مصلحة التعجيل، فيكون التأخير حينئذٍ أحسن وأفضل من تقديم البيان. ونظيره، ما هو حاصل في الشريعة التي بلّغها النبي (صلّى الله عليه وآله) على نحو التدريج، إذ قد يلزم من تبليغ جميع الأحكام دفعة واحدة استثقالها من قبل المكلفين، وبالتالي تنفيرهم منها، وهذا نقض للغرض قبيح، وعليه، فإن التنفير عن الدين مفسدة، وهذا يوجب أن يكون بيان الأحكام على نحو التدرج ليرغب الناس فيها، مع أن متعلقاتها مشتملة على المصالح والمفاسد من الأوّل، وقد فاتت علينا هذه المصالح بسبب التأخير، كما أنه قد وقعنا في المفاسد بنفس السبب المتقدم إلّا أن كل ذلك لا بأس به، لأجل مصلحة التسهيل على الناس وترغيبهم في الدين. وما نحن فيه من هذا القبيل طابق النعل بالنعل.
وعليه، فما ذكره جماعة من الأعلام من تعيّن كون الخاص ناسخاً في صورة وروده بعد العام وبعد حضور وقت العمل به في غير محله، فاحتمال التخصّص وارد أيضّاً بل هو أقوى وأفضل من النسخ.
والخلاصة أن المقدمة الأوّلى لم يكتب لها التوفيق.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1903
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 03-10-2019
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20