[الخلاصة]
* في التكسّب وأقسامه.
* الكلام في: القسم الأوَّل من الأقسام السِّتة، وهو ما حرم لعينه: منها: عمل الصُّوَر المجسَّمة، وغير المجسَّمة.
* اختلف الأعلام في حكم عمل الصور المجسمة وغير المجسمة على أقوال: القول الأوَّل: حرمة التصاوير مطلقاً. القول الثاني: حرمة التصاوير مطلقاً -أي من ذي الرُّوح وغيره- إذا كانت مجسَّمة. القول الثالث: حرمة التصاوير من ذوات الأرواح، سواء أكانت مجسَّمة أم لا. القول الرَّابع: حرمة تصاوير ذوات الأرواح إذا كانت مجسَّمة فقط.
* أما الاستدلال للقول الرابع، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
أما القول الثالث: قدِ استُدلّ له بجملة من الروايات:
منها: ما في حديث المناهي، قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن التصاوير، وقال: مَنْ صور سورةً كلَّفه الله تعالى يوم القيامة أنْ ينفخ فيها وليس بنافخ، ونهى أن يُحرَق شيء من الحيوان بالنَّار، ونهى عن التختُّم بخاتم صُفْر أو حديد، ونهى أن يُنْقش شيء من الحيوان على الخاتم».[1] وفيه ما ذكرناه في أكثر من مناسبة: أنَّ حديث المناهي ضعيف جدًّا، بجهالة الحسين بن زيد وشعيب بن واقد، كما أنَّ إسناد الصَّدوق إلى شعيب فيه حمزة بن محمَّد العلوي وهو مهمل، وعبد العزيز بن محمَّد بن عيسى الأبهري وهو مجهول.
ومنها: رواية محمَّد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سمعته يقول: ثلاثة يعذَّبون يوم القيامة من صوَّر صورةً من الحيوان يعذَّب حتَّى ينفخ فيها، وليس بنافخ فيها ...».[2] وهي ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن مروان الكلبي.
ومنها: رواية ابن عباس، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صوَّر صورةً عُذِّب، وكلِّف أنْ ينفخ فيها وليس بفاعل ...».[3] وهي ضعيفة بجهالة عدَّة أشخاص، منهم عِكْرِمَة وسُفيان.
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «مَنْ مثَّل تمثالاً كُلِّف يوم القيامة أن ينفخ فيها».[4] وهي ضعيفة بالإرسال، وإن كان المرسِل ابن أبي عمير.
ومنها: رواية الحسين بن المنذر، قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاثة معذَّبون يوم القيامة: رجل كذب في رؤياه. (إلى أن قال): ورجل صوَّر تماثيل يكلَّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ».[5] وهي ضعيفة لِعدم وثاقة الحسين بن المنذر، والرِّواية الواردة في مدحه ضعيفة بمحمَّد بن سنان؛ مضافاً إلى أنَّه هو راويها، وهذا لا ينفع. والرِّواية هكذا: «روى الكشِّي عن حمدوَيْه، قال: حدثني محمَّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، عن محمَّد بن سنان، عن الحسين بن المنذر، قال: كنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالساً فقال لي مُعْتِب: خفِّف عن أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): دعه! فإنَّه من فِراخ الشِّيعة». [بيان: والفِراخ -بكسر الفاء- جمع فرخ، بمعنى من وُلْد الشِّيعة]، وهذا لا مدح فيه. نعم، بناءً على ما نقله المير الدَّاماد (رحمه الله): «القُرَاح -بالقاف، والرَّاء المهملة، والألف والحاء المهملة-: بمعنى الخالص الذي لا يشوبه شيء» وهذا يدلّ على المدح. ولكنَّك عرفت أنَّ في سند الرِّواية محمَّد بن سنان. مضافاً إلى أنَّ ناقل المدح هو نفس الحسين بن المنذر، وهو لا ينفع.
والخلاصة: أنَّ هذه الرِّوايات جميعها ضعيفة السَّند.
ثمَّ إنَّ وجه الاستدلال بهذه الرِّوايات: هو إطلاق الصُّوَرة فيها، الشَّامل لذوات الأرواح مطلقاً، مجسَّمةً أو غير مجسَّمة. ويَرِدُ عليها -مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند-: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله): «من أنَّ التعليل في تلك الرِّوايات بالنَّفخ فيها يجعلها (ظاهرة في كون الصُّورة حيواناً لا ينقص منه شيء سوى الرُّوح، بل قد يظهر من مقابلة النَّقش للصُّورة في خبر المناهي ذلك أيضاً. ومِنْ ذلك كلّه يقوى حينئذٍ القول بالجواز في غير المجسَّمة، الموافق للأصل، وإطلاق الآيات والرِّوايات في الاكتساب، والمشي في طلب الرِّزق بأيّ نحوٍ كان» (انتهى كلامه). وما ذكره (رحمه الله) من أنَّ التعليل بالنَّفخ يجعلها ظاهرة في كون الصُّورة مجسَّمة، في غاية الصّحة والمتانة، حيث إنَّ المنفوخ لا بدّ أن يكون كاملاً بحسب الخلقة والجثَّة، ولاينقصه إلَّا نفخ الروح فيه. وأمَّا نفس الحيوان على الخاتم أو على الحائط ونحوهما، فلا يقبل النَّفخ؛ وإرادةُ تجسيم النَّقش مقدَّمة للنَّفخ، ثمَّ النَّفخ فيه، خلاف الظَّاهر بلا إشكال.
وأجاب عن ذلك الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله): «بأنَّ النَّفخ يمكن تصوُّره في النَّقش بملاحظة محلِّه، بل بدونها كما في أمرِ الإمامِ الأسدَ المنقوش على البساط بأخذ السَّاحر في مجلس الخليفة، أو بملاحظة لون النَّقش الذي هو في الحقيقة أجزاء لطيفة من الصّبغ؛ والحاصل أنَّ مثل هذا لا يعدّ قرينةً عرفاً على تخصيص الصُّورة بالمجسَّم» (انتهى كلامه). وفيه: أنَّ ظاهر الرِّوايات المتقدِّمة أنَّ النَّفخ منصبّ على نفس الصُّورة لا على محلِّها، والمراد إحياء نفس الصُّورة، لا المحلّ.
وأمَّا قضيَّة أمر الإمام (عليه السّلام) الأسد المنقوش على البساط: ففيها: أنَّ الرِّواية الواردة بذلك وإن كانت صحيحةً -حيث رواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرِّضا (عليه السّلام) عن محمَّد بن الحسن بن الوليد، عن محمَّد بن الحسن الصفَّار، وسعد بن عبد الله، جميعاً عن أحمد بن محمَّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين...الخبر- إلَّا أنَّ ما كان مِنْ أمر الإمام عليه السلام إنَّما هو على سبيل المعجزة الخارقة للعادة، فلا يقاس على ما نحن فيه. مضافاً إلى أنَّه لم يتضح لنا كيفيَّة جعل النقش أسداً حقيقةً.
وأمَّا قول الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله): «إنَّه يمكن النَّفخ بملاحظة لون النقش». ففيه: أنَّ هذا لا يتمّ إلَّا بجمع جميع الأجزاء الصِّغار للصُّبغ، وجعلها في قالب واحد على هيئة الحيوان، حتَّى تكون قابلةً للنَّفخ، وهذا خلاف الظَّاهر جدًّا من الرِّوايات. ولكنَّ الذي يهوِّن الخطب في المقام: أنَّ الرِّوايات المشتملة على نَفْخ الرُّوح كلّها ضعيفة السَّند.
والخلاصة: أنَّه لا يوجد دليل معتبر على حرمة تصوير ذي الرُّوح مطلقاً، سواء كان مجسَّما أم لا.
أما الاستدلال للقول الرابع، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
[1] وسائل الشيعة: باب 94 من أبواب ما يكتسب به، ح6.
[2] وسائل الشيعة: باب 94 من أبواب ما يكتسب به، ح7.
[3] وسائل الشيعة: باب 94 من أبواب ما يكتسب به، ح9.
[4] وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب أحكام المساكن، ح2.
[5] وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب أحكام المساكن، ح5.
|