[الخلاصة]
*- الكلام في: جريان الاستصحاب فيما لو قامت أمارة في مورده. ولي يتضح الحال، لا بدّ من بيان الفرق بين: الورود والحكومة والتخصيص والتخصصّ.
*- الكلام في: أن الحكومة على قسمين: القسم الأوّل: هو أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحاً ومفسّراً للدليل الآخر. وإمّا أن يكون بمدلوله الإلزامي.
*- الكلام في: أنه لو كان أحد الدليلين بمدلوله الإلزامي شارحاً ومفسّراً للدليل الآخر: تارة يكون ناظراً إلى عقد الوضع، وأخرى يكون ناظراً إلى عقد الحمل.
*- الكلام في: أن الحكومة على قسمين: القسم الثاني: وهو ما كان دليل الحاكم رافعاً لموضوع دليل المحكوم وليس ناظراً إليه لا بتوسعة ولا بتضييق.
*- إذا عرفت ذلك فنقول: ان تقديم الأمارات والطرق على الاستصحاب ليس من باب التخصّص، ولا من باب التخصيص، فهو إما من باب الورود، أو الحكومة.
*- وقد استدل لكونه من باب الورود بثلاثة أدلّة:
*- أما السرّ في تقديم الدليل الحاكم على المحكوم مع عدم وجود منافاة بينهما، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
وقد استدل لكونه من باب الورود بثلاثة أدلّة:
الدليل الأوّل: دعوى كون المراد من «اليقين» في قوله (عليه السّلام): «لا تنقض اليقين بالشك بل تنقضه بيقين آخر» هو الحجّة، سواء كانت عقلية كالعلم أو شرعية كالأمارات، وليس المراد من اليقين خصوص العلم الوجداني، وعليه: فذكر «اليقين» في الصحيحة ليس من باب كونه صفة خاصة، بل لكونه أعلى أفراد الحجّية باعتبار أن حجّيته ذاتية وغير مجعولة. فقوله (عليه السّلام): «لا تنقض اليقين بالشك بل تنقضه بيقين آخر» أي لا تنقض الحجّة بغير الحجّة، بل تنقضها بالحجّة، وعليه: فتكون الأمارة واردة على الاستصحاب وعلى سائر الأصول العملية، ورافعة لموضوعها حقيقة ووجداناً لكونها حجّة كورودها على الأصول العقلية. وفيه: ان هذا المعنى وان كان ممكناً ولا محذور فيه ثبوتاً إلّا أنه لا شاهد عليه في مقام الإثبات، بل الظاهر من لفظ «اليقين» هو خصوص الاعتقاد الذي لا يجامعه احتمال الخلاف، مع أن هذا البيان لو تمّ فإنما يتمّ في خصوص الأمارات، وأمّا في الأصول العملية فلا يتأتى فيها هذا التقريب، لأن الشكّ أخذ موضوعاً في مطلق الأصول والعلم بالخلاف أخذ غاية في الجميع، وعليه: فلا وجه لتقدم الأصول المحرزة على غيرها؛ فلماذا تقولون إنها حاكمة على الأصول غير المحرزة، فكما أن رفع اليد عن الأصل الغير المحرز بالأصل المحرز يكون من رفع اليد عن الحجّة بالحجّة، كذلك رفع اليد عن الأصل المحرز بالأصل الغير المحرز يكون من رفع اليد عن الحجّة بالحجّة على الخلاف.
الدليل الثاني: هو كون المراد من «اليقين» هو خصوص اليقين الوجداني ولكن متعلقه أعمّ من الحكم الواقعي والظاهري، وعليه: فرفع اليد عن المتيقن السابق لقيام الأمارة على ارتفاعه لا يكون إلّا لأجل اليقين بحجّية الأمارة، فتكون الأمارة واردة على الاستصحاب للقطع بحجّيتها فيقطع بالحكم الظاهري. وفيه: أنه ان أريد من الحكم الظاهري مؤّدى الأمارة، فالمؤّدى مشكوك لاحتمال مخالفة الأمارة للواقع، وان أريد من الحكم الظاهري حجّية الأمارة فهو وان كان متيّقناً للعلم بحجّية الأمارات، إلّا أن العلم بالحجّية لم يتعلق به اليقين في فقوله (عليه السّلام): «لا تنقض اليقين بالشك بل تنقضه بيقين آخر»، بل اليقين الثاني متعلق بارتفاع ما تعلّق به اليقين الأوّل وهو الأحكام الواقعية وموضوعاتها لكون اليقين الثاني ناقضاً لليقين الأولّ، وعليه: فالعلم بحجّية الأمارة أجنبي عن العلم بالحكم الواقعي.
الدليل الثالث: ان المراد من اليقين في فقوله (عليه السّلام): «بل انقضه بيقين آخر»، ليس خصوص اليقين الوجداني بل مطلق اليقين الصالح للناقضية عملاً فيشمل اليقين الوجداني والتعبّدي، وعلى هذا: تكون الأمارات واردة على الاستصحاب، لأن الورود عبارة عن انتفاء الموضوع بالوجدان بنفس التعبّد لا بثبوت المتعبّد به، وهنا بعد قيام الأمارة على خلاف الاستصحاب تكون الأمارة رافعة لموضوع الاستصحاب حقيقة، لأن المفروض أن المراد من اليقين مطلق اليقين الصالح للناقضية. وفيه: ان هذا خلاف ظواهر أدلّة الاستصحاب، فإن ظاهرها أن المراد من اليقين في قوله (عليه السّلام): «لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر»، هو خصوص اليقين الوجداني المتعلق بالحكم الواقعي أو موضوع الحكم الواقعي، وكون الأمارة حكمها حكم اليقين لا يعني أنها واردة، بل بمعنى أن الشارع المقدس تممّ كشفها الناقص تعبّداً وجعلها بمنزلة القطع من حيث اثبات المؤدى فتكون مؤديات الأمارة ثابتة تعبّداً، وكيف تكون الأمارة واردة على الاستصحاب بعد بقاء الشك الوجداني على حاله، ويشترط في الورود انتفاء موضوع الاستصحاب بالوجدان بثبوت التعبّد بالأمارة، مع أن موضوع الاستصحاب وهو الشك بعد قيام الأمارة ثابت بالوجدان؛ نعم، هو مرتفع تعبّداً بثبوت مؤدى الأمارة المعبّر عنه بثبوت المتعبّد به فينطبق على الأمارة معنى الحكومة بالمعنى الثاني لها، وهو انتفاء موضوع الأصل بثبوت المتعبّد به، فإنه بعد ثبوت المتعبّد به -أي مؤدى الأمارة- لا يبقى موضوع الأصل وهو الشك، فإنه قد ارتفع تعبّداً وان كان باقياً وجداناً لعدم كون الأمارة مفيدة للعلم، إذ احتمال الخلاف قائم؛ ومن هنا، افترقت عن الورود، لأنه يعتبر في الورود أن تكون الأمارة رافعة لموضوع الأصل وجداناً بنفس التعبّد بالأمارة لا بثبوت المتعبّد به.
أما السرّ في تقديم الدليل الحاكم على المحكوم مع عدم وجود منافاة بينهما، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
|