[الخلاصة]
*- التنبيه الثاني عشر: في جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية.
*- ولكي يتضح الحال، نقول: إن الامور الاعتقادية على قسمين: القسم الثاني: ما كان المطلوب فيها نفس المعرفة واليقين.
*- أما المناظرة التي حصلت بين الكتابي والسيد العالم الجليل السيد باقر القزويني. فتوضيحها، يأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
وأمّا القسم الثاني: فتارة يتكلم فيه عن استصحاب الحكم فيها، وأخرى عن استصحاب الموضوع.
أمّا بالنسبة لاستصحاب الحكم: كوجوب معرفة الله تعالى ووجوب شكر المنعم أو وجوب الاعتقاد بالنبوّة أو الإمامة ووجوب الالتزام بذلك، فلا مانع منه، فلو شك في بقاء وجوب المعرفة أو وجوب الاعتقاد بعد اليقين بالوجوب فيجري الاستصحاب لاجتماع أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق.
وأمّا استصحاب الموضوع:
فما كان منه لا يقبل الزوال: بل هو أبدي سرمدي كالذات الإلهية المقدسة وصفاته الذاتية فلا معنى للاستصحاب حينئذٍ.
وأمّا ما كان قابلاً للزوال كالنبوة والإمامة: فإن قلنا بأن الآثار المترتبة على النبوّة والإمامة كعقد القلب عليهما ولزوم الانقياد لهما هي أثار لليقين بالنبوّة والإمامة أي آثار للنبوّة والإمامة المعلومتين بوصف معلوميتهما، فلا يجري الاستصحاب وان فرض تمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق. والسّر في عدم جريان الاستصحاب هو عدم الأثر له، لأن الآثار المتقدمة من عقد القلب ولزوم الانقياد والالتزام بذلك هي آثار للعلم واليقين بالنبوّة والإمامة، وهذه لا تثبت بالاستصحاب التعبّدي.
وأمّا إذا كانت هذه الآثار آثار للنبوّة الواقعية لا النبوّة المعلومة المتيقّنة بوصف معلوميتها وتيقنها، وكذا الإمامة فلا مانع من جريان الاستصحاب حينئذٍ، إذا وجدت أركانه، فلو شك في نبوّة شخص أو إمامته بعد اليقين بثبوتهما سابقاً، كما لو شك مثلاً، ببقاء نبوّة النبي عيسى أو نبوّة النبي موسى (عليهم السّلام) -بناء على حصول الشك فيها- فيجري فيه الاستصحاب، ويترتب عليه الآثار المزبورة من عقد القلب ولزوم الانقياد والالتزام بذلك، لما عرفت أنها آثار للنبوّة الواقعية، لا المعلومة بوصف معلوميتها، وما ذكرناه من جريان الاستصحاب لا يفرّق فيه بين أن تكون النبوّة وكذا الإمامة من المناصب الجعلية الإلهية، أو من الأمور الواقعية الناشئة من كمال نفسه الشريفة وبلوغها مرتبة عالية جدّاً بسببها صار متصلاً بين الخالق والمخلوق وواسطة في تبليغ الأحكام الإلهية، فإنه على كلّ تقدير يمكن تصوّر الشك في بقاء النبوّة والإمامة، لإمكان تطرق الشك فيهما عقلاً على فرض الجعلية لاحتمال كونهما محدودتين في الواقع إلى وقت خاص، وكذا يمكن تطرق الشك فيهما عقلاً على فرض كونهما من الأمور الواقعية الناشئة من كمال النفس لاحتمال الانحطاط عن تلك المرتبة، لإن النفس كما أنها قابلة للوصول والترقي إلى تلك المرتبة، قابلة للانحطاط عن تلك المرتبة.
والخلاصة: انه إذا فرضنا ترتب الأثر العملي على الاستصحاب. كما إذا كانت تلك الآثار من عقد القلب ولزوم الانقياد من آثار النبوّة والإمامة الواقعية لا المعلومة فيجري الاستصحاب وتترتب تلك الآثار، ومتى لم تكن تلك الآثار مترتبة على واقع النبوّة بل هي مترتبة على النبوّة المعلومة بوصف معلوميتها فلا فائدة حينئذٍ في جريان الاستصحاب وان فرض تمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق، وذلك لما عرفت من أن تلك الآثار لا تثبت بالاستصحاب.
هذا كلّه فيما لو فرضنا حصول الشك في بقاء النبوّة أو الإمامة، إلّا أن الانصاف: هو انتفاء الشك الذي هو ركن، وذلك لأن المسلم المتدّين بالإسلام لا يكون شاكاً في بقاء نبوّة النبيّ موسى ونبوّة النبيّ عيسى -على نبيّنا وآله وعليهما السلام- بل هو قاطع بانقطاع نبوّتهما ونسخ شريعتهما بمجيء نبيّنا (صلّى الله عليه وآله)، كيف ولا طريق له إلى اليقين بنبوّة عيسى إلّا من طريق القرآن الكريم وأخبار نبيّنا (صلّى الله عليه وآله)؟ وإلّا فمع قطع النظر عن ذلك لا يقين لنا بأصل نبوّة النبيّ عيسى مثلاً لأجل تدّين النصارى بدينه، بل لو حصل لنا العلم بنبوّته من غير طريق القرآن والأخبار إلّا أنه من المعلوم أن القرآن الكريم، وكذا الأخبار الواردة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السّلام) أخبرا بانتهاء نبوّته ونسخ شريعته. وعليه، فلا يمكن للمسلم المتدّين بدين الإسلام والمعتقد بنبوّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ان يحصل له الشك في بقاء نبوّة النبيّ السابق وبقاء شريعته حتى ينتهي الأمر إلى الاستصحاب، كما أن المتدّين بدين النصارى قاطع ببقاء شريعة عيسى (عليه السّلام) ولا شكّ له في المقام.
وممّا ذكرنا يتضح لك أن تمسّك الكتابي بالاستصحاب في مناظرته مع السيد العالم الجليل السيد باقر القزويني في غير محله.
اما توضيحه، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
|