*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقال الصَّادق (عليه السلام): إنَّ الله تبارك وتعالى جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وذلك أنَّ العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه*
هذه الرِّواية رواها المشايخ الثلاثة(1). ولكنَّها ضعيفة بطريق الكليني والشَّيخ (رحمهما الله) بعدم وثاقة علي بن السري، وعدم وثاقة محمَّد بن أبي الهزهاز، كما أنّها ضعيفة في الفقيه بالإرسال.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقال (عليه السلام): أبى الله عزَّ وجلّ إلَّا أن يجعل رزق المؤمن من حيث لا يحتسب*
ففي حسنة محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السّلام): «أبى الله عزَّ وجلّ إلَّا أن يجعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون»(2).
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكان أمير المؤمنين (عليه السَّلام) كثيراً ما يقول: اِعلموا علماً يقيناً أنّ الله عزّ وجلّ لم يجعل للعبد وإن اشتدّ جهده، وعظمت حيلته، وكثرت مكائده أن يسبق ما سمّى له في الذِّكر الحكيم، ولم يحُل بين العبد في ضعفه، وقلَّة حيلته، أن يبلغ ما سمّي له في الذِّكر الحكيم، فالعالم بهذا العامل به أعظم النَّاس راحةً في منفعته، والعالم بهذا التارك له أعظم النَّاس شغلاً في مضرّة*
روى الشَّيخ الكليني في الكافي عن عليِّ بن محمَّد بن جمهور عن أبيه رفعه عن أبي عبد الله (عليه السّلام): «قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السّلام) كَثِيراً مَا يَقُولُ: اِعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ وإِنِ اشْتَدَّ جَهْدُه، وعَظُمَتْ حِيلَتُه، وكَثُرَتْ مُكَائده أَنْ يَسْبِقَ مَا سُمِّيَ لَه فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ ولَمْ يَحُلْ مِنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِه، وقِلَّةِ حِيلَتِه، أَنْ يَبْلُغَ مَا سُمِّيَ لَه فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّه لَنْ يَزْدَادَ امْرُؤٌ نَقِيراً بِحِذْقِه، ولَمْ يَنْتَقِصِ امْرُؤٌ نَقِيراً لِحُمْقِه، فَالْعَالِمُ لِهَذَا، الْعَامِلُ بِه، أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً فِي مَنْفَعَتِه؛ والْعَالِمُ لِهَذَا، التَّارِكُ لَه، أَعْظَمُ النَّاسِ شُغُلاً فِي مَضَرَّتِه، ورُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْه مُسْتَدْرَجٌ بِالإِحْسَانِ، ورُبَّ مَغْرُورٍ فِي النَّاسِ مَصْنُوعٌ لَه، فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّاعِي مِنْ سَعْيِكَ، وقَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وانْتَبِه مِنْ سِنَةِ غَفْلَتِكَ، وتَفَكَّرْ فِيمَا جَاءَ عَنِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّه (صلى الله عليه وآله). (إلى أَنْ قَال): أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ السِّبَاعَ هِمَّتُهَا التَّعَدِّي، وإِنَّ الْبَهَائِمَ هِمَّتُهَا بُطُونُهَا، وإِنَّ النِّسَاءَ هِمَّتُهُنَّ الرِّجَالُ، وإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ خَائِفُونَ وَجِلُونَ، جَعَلَنَا اللَّه وإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ»(3). وهي ضعيفة بابن جمهور وأبيه، وبالرّفع.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقال (عليه السَّلام): كُنْ لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسى بن عمران (عليه السَّلام) خرج يقتبس ناراً لأهله فكلَّمه الله، ورجع نبيّاً، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان (عليه السَّلام)، وخرج سحرة فرعون يطلبون العِزّ لِفرعون فرجعوا مؤمنين*
هذه الرِّواية رواها الكُليني (رحمه الله) عن عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّه، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِي، عَمَّنْ ذَكَرَه، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السّلام) عَنْ أَبِيه عَنْ جَدِّه (عليه السّلام)، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ...»(4). وهي ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن محمَّد القاساني، وعبد الله بن القاسم، فإنَّه مشترك. وهي ضعيفة في الفقيه بالإرسال، ورواها أيضاً مسندةً، لكن في السَّند عبد الله بن القاسم، وقد عرفت أنَّه مشترك. ورواها الكليني (رحمه الله) أيضاً بطريق آخر(5). ولكنَّها أيضاً ضعيفة بهذا الطَّريق بأبي جميلة.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقال الصَّادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): ما من نفقةٍ أحبُّ إلى الله عزّ وجلّ من نفقةِ قصد، ويبغض الإسراف، إلَّا في الحجّ والعمرة، فرحم الله مؤمناً كسب طيّباً، وأنفق قصداً، وقدّم فضلاً*
هذه الرِّواية رواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه، بإسناده عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) أنَّه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ...»(6). وإسنادُه إلى عبد الله بن أبي يعفور صحيح، لأنَّ أحمد بن محمَّد بن يحيى العطَّار الذي هو شيخ الصَّدوق (رحمه الله) من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته، كما أنَّ والد البرقي كذلك، وعليه، فالرِّواية صحيحة.
وينبغي ختم الكلام في هذا المقام: بذِكْر رواية تُبيِّن كيفيةَ التعرُّض للرِّزق، وفيها فائدة جليلة، وهي رواية أبي عمارة الطيَّار، قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السّلام): إِنَّه قَدْ ذَهَبَ مَالِي، وتَفَرَّقَ مَا فِي يَدِي، وعِيَالِي كَثِيرٌ، فَقَالَ لَه أَبُو عَبْدِ اللَّه (عليه السّلام): إِذَا قَدِمْتَ الْكُوفَةَ فَافْتَحْ بَابَ حَانُوتِكَ، وابْسُطْ بِسَاطَكَ، وضَعْ مِيزَانَكَ، وتَعَرَّضْ لِرِزْقِ رَبِّكَ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ قَدِمَ فَتَحَ بَابَ حَانُوتِه، وبَسَطَ بِسَاطَه، ووَضَعَ مِيزَانَه، قَالَ: فَتَعَجَّبَ مَنْ حَوْلَه، بِأَنْ لَيْسَ فِي بَيْتِه قَلِيلٌ، ولَا كَثِيرٌ مِنَ الْمَتَاعِ، ولَا عِنْدَه شَيْءٌ، قَالَ: فَجَاءَه رَجُلٌ، فَقَالَ: اِشْتَرِ لِي ثَوْباً، قَالَ: فَاشْتَرَى لَه وأَخَذَ ثَمَنَه، وصَارَ الثَّمَنُ إِلَيْه، ثُمَّ جَاءَه آخَرُ، فَقَالَ لَه: اِشْتَرِ لِي ثَوْباً، قَالَ: فَطَلَبَ لَه فِي السُّوقِ، ثُمَّ اشْتَرَى لَه ثَوْباً، فَأَخَذَ ثَمَنَه، فَصَارَ فِي يَدِه، وكَذَلِكَ يَصْنَعُ التُّجَّارُ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ جَاءَه رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَه: يَا أَبَا عُمَارَةَ! إِنَّ عِنْدِي عِدْلاً مِنْ كَتَّانٍ، فَهَلْ تَشْتَرِيه، وأُؤَخِّرَكَ بِثَمَنِه سَنَةً؟ فَقَالَ: نَعَمْ احْمِلْه وجِئْنِي بِه، قَالَ: فَحَمَلَه فَاشْتَرَاه مِنْه بِتَأْخِيرِ سَنَةٍ، قَالَ: فَقَامَ الرَّجُلُ فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَاه آتٍ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، فَقَالَ لَه: يَا أَبَا عُمَارَةَ! مَا هَذَا الْعِدْلُ، قَالَ: هَذَا عِدْلٌ اشْتَرَيْتُه، قَالَ: فَبِعْنِي نِصْفَه، وأُعَجِّلَ لَكَ ثَمَنَه، قَالَ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاه مِنْه وأَعْطَاه نِصْفَ الْمَتَاعِ، وأَخَذَ نِصْفَ الثَّمَنِ، قَالَ: فَصَارَ فِي يَدِه الْبَاقِي إِلَى سَنَةٍ، قَالَ: فَجَعَلَ يَشْتَرِي بِثَمَنِه الثَّوْبَ والثَّوْبَيْنِ، ويَعْرِضُ ويَشْتَرِي، ويَبِيعُ حَتَّى أَثْرَى، وعَرَضَ وَجْهُه، وأَصَابَ مَعْرُوفاً»(7). وهي ضعيفة بأبي عمارة الطيَّار، فإنَّه مهمل. [بيان: وقوله: أثرى، أي صار ذا مال كثيرة. وقوله: عرض وجهه، أي صار معروفاً للنَّاس. وقوله: أصاب معروفاً، أي مالاً]. والله العالم.
هذا تمام الكلام في مقدمة التجارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب مقدمات التجارة، ح1.
(2) وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب مقدمات التجارة، ح5.
(3) وسائل الشيعة: باب 13 من أبواب مقدمات التجارة، ح4.
(4) وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب مقدمات التجارة، ح3.
(5) وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب مقدمات التجارة، ح4.
(6) وسائل الشيعة: باب 55 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه، ح1.
(7) الكافي: ج5، ص304، باب النوادر، ح3.
|