• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 208 _ تنبيهات الإستصحاب 29 .

الدرس 208 _ تنبيهات الإستصحاب 29

كان الكلام فيما سبق حول حجية الأصل المثبت، وقلنا أنّ التنزيل على قسمين، وقد تكلمنا في القسم الأول وبقي القسم الثاني.

وأما بناءً على أنّ التنزيل هو عبارة عن وجوب المعاملة مع المتيقن السابق معاملة بقائه بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال بلا نظر إلى جعل الأثر -كما لا يبعد، بل هو الأقوى- فقد يقال حينئذٍ إنّه من الممكن القول بحجيّة الأصل المثبت، لأنّ مرجع التعبّد بالبقاء في استصحاب الموضوع إلى التوسعة الصوريّة للمتيقن من حيث موضوعيته للأثر بلحاظ الأعمال المترتبة عليه، لا بلحاظ جعل الأثر للمتيقن أو لأثره، فلا قصور في شمول التنزيل والتعبد ببقاء المتيقن -وهو قوله (عليه السّلام): «لا تنقض اليقين بالشكّ»- لمطلق ما يترتب عليه من العمل ولو بواسطة اثر عقلي أو عادي، فإنه من الممكن حينئذ التعبد ببقاء الحياة وتوسعتها بلحاظ اثره الشرعي أو العقلي والعادي والتعبد به أيضا بلحاظ التعبد بأثره إلى أن ينتهي إلى العمل ولو بوسائط عديدة، لان التعبد بالشيء بلحاظ موضوعيته للأثر عين التعبد بأثره ووجود محموله أو ملازمه بملازمة عرفية موجبة للانتقال من التعبد به إلى التعبد بأثره ووجود محموله، وهكذا التعبد بوجود المحمول من حيث موضوعيته إلى أن ينتهي إلى العمل. وبعد كفاية مجرد الانتهاء إلى الأثر العملي في صحة التعبد بالشيء، فلا بأس بالتمسّك بإطلاق دليل التنزيل -وهو قوله (عليه السّلام): «لا تنقض اليقين بالشكّ»- لمطلق ما يترتب عليه من الأثر الشرعي ولو بوسائط عديدة، ولا مجال حينئذ للتمسّك في نفي الأصول المثبتة بما تقدم من أن التعبد بالشيء لا بدّ وأن يكون بلحاظ التعبد بأثره الشرعي لا العقلي والعادي لعدم كونهما مما تناله يد الجعل والرفع التشريعي، ووجه عدم المجال: هو أنّ ما ذكر انما يصحّ إذا كان التنزيل في المقام راجعا إلى انشاء جعل الأثر كما هو المسلك الأول، لا إلى مجرد التعبد بوجود المتيقن الراجع إلى التوسعة الصورية لوجوده بلحاظ ما يترتب عليه من العمل، فان مثل هذا النحو من التوسعة في الآثار العقلية والعادية بلحاظ ما يترتب عليها من العمل امر ممكن ويكون من شؤون الشارع المقدّس، نظير توسعة الموضوعات الخارجية.
ولكن الإنصاف: أنه لا يمكن القول بحجيّة الأصل المثبت حتى على هذا المعنى من التنزيل، وذلك لانصراف هذه التنزيلات إلى تطبيق القضايا الشرعية وتوسعة موضوعاتها؛ ومع هذا الانصراف لا يمكن القول حينئذٍ بشمول دليل التنزيل لغيرها من القضايا العقلية والعادية، ومن هنا يفرّق بين أن يكون الأثر الشرعي المترتب على المتيقن بتوسط أمر شرعي فيترتب عليه بالاستصحاب الجاري في أوّل السلسة وبين أن يكون مترتباً عليه بتوسيط أمر غير شرعي فلا يترتب عليه باستصحابه وذلك لما ذكرناه من الانصراف المزبور. والله العالِم.

ثمّ إنه لو لم نقل بانصراف التنزيلات إلى خصوص تطبيق القضايا الشرعية وقلنا بالنتيجة بحجيّة الأصل المثبت، فهل يكون معارضاً باستصحاب عدم تلك اللوازم العقلية والعادية لكونها مسبوقة بالعدم.
حكي ذلك عن كاشف الغطاء، وحاصله: أنّ الاستصحاب لو اقتضى ثبوت اللازم الغير الشرعي لعارضه أصالة عدم ذلك اللازم فيتعارضان ويتساقطان.
وأجاب الشيخ الأنصاري (رحمه الله) عن ذلك: أنه بناء على جريان الأصل بالنسبة إلى الملزوم المثبت للازمه لا معنى حينئذٍ لإجراء أصالة العدم بالنسبة إلى اللازم، لأنه حاكم عليه، فبإجراء الأصل في الملزوم يرتفع الشكّ في اللازم، نظير الشكّ في طهارة الثوب المتنجس إذا غسّل بماء مشكوك الطهارة والنجاسة مع كونه طاهراً سابقاًن فإنّ استصحاب طهارته حاكمٌ على استصحاب نجاسة الثوب، أو مع استصحاب طهارة الماء لا يبقَ شكّ في طهارة الثوب ونجاسته حتى تستصحب نجاسته السابقة.
والإنصاف: أنّ ما ذكره الشيخ الأنصاري (رحمه الله) من الجواب هو في محله بناء على ما ذكرناه من أنّ مفاد هذه التنزيلات مجرّد التعبّد بوجود الشيء وتوسعته من حيث موضوعيته للتعبّد بأثره بلا واسطة، وكذا التعبّد به من حيث موضوعيته لأثر آخر إلى أن ينتهي إلى الأثر الشرعي العملي.
ووجه صحة ما ذكره (رحمه الله): هو أنّ الشكّ في وجود الأثر العقلي الذي هو أحد الوسائط بعد أن كان مسببا عن الشك في وجود موضوعه وسببه وهو الحياة مثلا، فلا محالة يكون الأصل الجاري فيها من حيث موضوعيته للأثر حاكما على الأصل الجاري في نفس الأثر ورافعا للشك عن وجوده، فيخرج بذلك عن عموم «لا تنقض اليقين بالشك» فلا يجري فيه أصل العدم حتى يعارض استصحاب الحياة.

وقيل أيضاً يصحّ كلام الشيخ (رحمه الله) إذا قلنا بحجيّة الاستصحاب من باب الظن باعتبار أنّ الظن بالملزوم مستلزمٌ للظن باللازم، فإن كان الملزوم مظنوناً من جهة غلبة بقاء ما كان، فهذه الغلبة التي صارت منشأً للظن به تصير منشأً للظن باللازم أيضاً فلا يمكن التفكيك بأن يحصل الظنّ الملزوم دون اللازم. وعليه: بعد حصول الظن باللازم بجريان الاستصحاب في الملزوم لا يبقى مجال لاستصحاب عدم اللازم ولا يمكن حصول الظن بعدمه لعدم إمكان اجتماع الظنّ بوجود شيء مع الظنّ بعدمه.

أما الإنصاف في هذه المسألة فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1626
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 26-09-2018
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12