*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وجلوسه حتى يفرغ المؤذنون، وقال أبو الصلاح: يؤذّنون قبل صعوده، وبه رواية مقطوعة *
المعروف بين الأعلام (رحمهم الله): أنّ آذان المؤذن يكون عند صعود الإمام المنبر وجلوسه.
وقد استدل لذلك: برواية عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه، قال: «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون»[1]. ولكنها ضعيفة بعدم وثاقة جعفر بن محمد.
وقد يستدل أيضاً: برواية دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليه السّلام) قال في حديث: «وإذا صعد الإمام جلس وأذّن المؤذنون بين يديه، فإذا فرغوا قام فخطب...»[2]. وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال.
وقال أبو الصلاح الحلبي (رحمه الله): «إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان فإذا فرغوا منه صعد المنير فخطب ...»[3]. (انتهى كلامه)
ويدلّ على ذلك حسنة محمد بن مسلم قال: «سألته عن الجمعة فقال: أذانٌ وإقامة يخرج الإمام بعد الآذان فيصعد المنبر فيخطب، ولا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر...»[4]. وقد عرفت أنّ مضمرات ابن مسلم مقبولة مثل مضمرات زرارة، وعليه: فما ذهب إليه أبو الصلاح (رحمه الله) هو الأقوى وإن كان على خلاف المشهور.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ورفع صوته*
جعله المصنف (رحمه الله) في الذكرى من جملة المستحبات حيث قال: «ورفع صوته بحيث يكثر الإسماع»[5]. (انتهى كلامه)، وفيه: ما لا يخفى.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والأقرب عدم تحريم الكلام عليه في الأثناء*
تقدم الكلام فيه، وذكرنا أنّ الأقوى عدم تحريم الكلام عليه وعلى السامعين، فراجع.[6].
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ووجوب إسماع العدد*
لا إشكال في وجوب إسماع العدد لعدم حصول الفائدة أصلاً بدونه، بل لا تصدق الخطبة بدون إسماع.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وجواز مغايرة الخطيب للإمام خلافاً للراونديّ*
ذكرنا عند الكلام عن اعتبار القيام في الخطبة أنّ الأقوى عدم مغايرة الخطيب للإمام، فراجع.[7].
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: واشتراط عدالته كالإمام*
الأقوى عدم اشتراط عدالة الخطيب لعدم الدليل عليه، ولِما عرفت أنّ الخطبتين ذِكرٌ، وذِكرُ الله حسنٌ على كلّ حال، ومن هنا لم يشترط الطهارة الخبثية والحدثية فيه، ولا الاستقبال ولا غيره ممّا يشترط صحة الصلاة فيه، نعم تعتبر عدالته عند إقامة الصلاة.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: أما البلوغ والعقل وطهارة المولد فشرطٌ فيهما*
لم أعثر على من تعرّض لاشتراط البلوغ والعقل وطهارة المولد في الخطيب، وبما أنه قد ذكرنا سابقاً أنّ الأقوى عدم مغايرة الخطيب للإمام -أي أنّ الذي يخطب هو الذي يصلي بهم- فلا إشكال حينئذٍ في اشتراط طهارة المولد، وكذا لا إشكال في اشتراط العقل سواء استمرّ جنونه إلى ما بعد الخطبتين أم لا، وهو واضح.
أما البلوغ ففيه تفصيل، فإن استمرّ عدم البلوغ إلى ما بعد الصلاة فيشترط البلوغ حينئذٍ، لأنّ الإمام يعتبر فيه أن يكون بالغاً إذا أمّ الرجال، وأمّا لو خطب صبياً ثمّ بلغ بالعدد قبل الصلاة فالإنصاف أنه لا دليل قوي على اشتراط البلوغ في الخطيب، وأما دليل التأسّي فقد عرفت حاله.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والأقرب جواز إمامة العبد والمسافر والأعمى والأجذم والأبرص، وإن كره ذلك*
أقول: ستعرف إن شاء الله تعالى شروط الإمامة في مبحث صلاة الجماعة، ولا فرق بين الجمعة وغيرها فلا موجب للبحث عنها هنا إلا لبعض الاعتبارات التي لا تصلح أن تكون مدركاً لشيء من الأحكام الشرعية، فالأَوْلى الإعراض عنها.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ووقت الجمعة وقت الظهر بأسره، وقيل: يختصّ بوقت الاختيار، وقدّره أبو الصلاح بالأذان والخطبتين والركعتين من الزوال*
أقول: يقع الكلام في امرين: الأمر الأول: في أول وقت صلاة الجمعة. الأمر الثاني: في آخر وقتها.
أما الأمر الأول: فالمعروف بين الأعلام أنّ أول وقتها هو زوال الشمس، فلا تصحّ صلاة الجمعة قبله بالاتفاق، عدا ما حكي عن الشيخ (رحمه الله) في الخلاف أنه قال: «وفي أصحابنا من قال: إنه يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة، وهو اختيار المرتضى»[8]. (انتهى كلامه). قال ابن إدريس (رحمه الله) بعد نقل ذلك: «ولم أجد للسيد المرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه (إلى أن قال): ولعل شيخنا أبا جعفر، سمعه من المرتضى في الدرس، وعرفه منه مشافهة، دون المسطور»[9]. (انتهى كلامه)
قال المصنف (رحمه الله) في الذكرى: «وجوّز ابن حنبل فعلها قبل زوال الشمس، فقدره بعض الحنابلة بوقت صلاة العيد، وبعضهم بالساعة السادسة، لان أبا بكر كان يخطب ويصلي قبل نصف النهار»[10]. (انتهى كلامه)
أقول: أما القول المنسوب إلى السيد المرتضى (رحمه الله) -على فرض صحته- فالإنصاف أنه لا دليل عليه.
وأما صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة»[11]. فإمّا أن يكون المراد بنصف النهار منها هو أوّل الوقت حين تزول الشمس، فيكون دليلاً للمشهور وليست دليلاً لقول السيد المرتضى (رحمه الله). أو يكون المراد بنصف النهار هو النصف الحقيقي الحاصل بقيام الشمس فوق الرأس -أي قبل الزوال بقليل- ويكون المراد حينئذٍ من الصلاة ركعتي الزوال المستحبتين، حيث أنّ الأفضل إيقاعهما يوم الجمعة قبل الزوال.
وقد استدلّ لقول السيد المرتضى (رحمه الله) في التذكرة والمنتهى بما رواه العامّة عن وكيع الأسلمي قال: «شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار»[12]. قال صاحب المدارك (رحمه الله): «وهو مستند ضعيف فإنّ فعل أبي بكر ليس حجة، خصوصا مع مخالفته لفعل الرسول صلى الله عليه وآله»[13]. (انتهى كلامه)، وما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله) صحيح لا مفرّ منه على مقتضى أصولنا.
وقد يستدلّ أيضاً برواية سلمى بن أكوع قال: «كنّا نصلي مع النبي (صلّى الله عليه وآله) صلاة الجمعة ثمّ ينصرف وليس للحيطان فيء»[14]. ولكنها رواية عاميّة لم تثبت من طرقنا، بل الثابت من رواياتنا عكس ذلك فقد استفاضت الروايات بل لعلها تواترت على أن أول وقتها هو الزوال:
منها: صحيحة زرارة قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: أنّ من الأمور أموراً مضيّقة وأموراً موّسعة، وإن الوقت وقتان، والصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله صلى الله عليه وآله وربما أخر إلا صلاة الجمعة، فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيق إنما لها وقت واحد حين تزول، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام»[15].
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، ويخطب في الظل الأول، فيقول جبرئيل: يا محمد قد زالت الشمس فأنزل فَصَلّ...»[16].
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «وقت صلاة الجمعة عند الزوال، ووقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة، ويستحب التكبير بها»[17].
ومنها: رواية محمد بن عمير قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال: نزل بها جبرئيل مضيقة إذا زالت الشمس فصلها، قال: إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها، فقال أبو عبد الله: أما أنا فإذا زالت الشمس لم أبدأ بشيء قبل المكتوبة»[18]. ولكنها ضعيفة لعدم وثاقة القاسم بن عروة.
ومنها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: «سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال: إذا قامت الشمس فصلّ ركعتين، فإذا زالت فصلّ الفريضة...»[19]. وهي ضعيفة أيضاً بعبد الله بن الحسن فإنّه مهمل. ورواها ابن إدريس (رحمه الله) في آخر السرائر نقلاً من كتاب جامع البزنطي صاحب الإمام الرضا (عليه السّلام) ولكنها ضعيفة أيضاً بالإرسال لأنّ ابن إدريس لم يذكر طريقه إلى جامع البزنطي. وكذا غيرها من الروايات.
أما الأمر الثاني فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة: باب 28 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.
[2] مستدرك وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح3.
[3] الكافي في الفقه: ص151.
[4] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح3.
[5] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص140.
[6] الدرس 641 _ صلاة الجمعة 27 .و الدرس 642 _ صلاة الجمعة 28 .
[7] الدرس 634 _ صلاة الجمعة 20
[8] الخلاف (للطوسي): ج1، ص620.
[9] السرائر: ج1، ص296.
[10] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص131.
[11] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح6.
[12] سنن الدارقطني: ج2، باب 7، ح1.
[13] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص12.
[ 14] سنن أبي داوود: ج1، ص284-285.
[15] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح3.
[16] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح4.
[17] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح5.
[18] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح16.
[19] وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح16.
|