*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويحرم الكلام في أثنائهما لا بعدهما، وحرّم المرتضى فيهما كلّ ما يحرم في الصلاة*
قال في المدارك: «والتحريم مذهب الأكثر، ونقل عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه قال في جامعه: إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصمت. وقال الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف، والمصنف في المعتبر بالكراهة»[1]. (انتهى كلامه)
وفي الجواهر: «المشهور كما في الذكرى وكشف الالتباس: حرمة الكلام على السامع، بل عن الخلاف: الاجماع على تحريمه على المستمعين، وعن الكافي: على المؤتمّين، وفي الوسيلة: تحريمه على الخطيب ومن حضر...»[2]. (انتهى كلامه)
وقال المصنف (رحمه الله) في الذكرى: «الظاهر أن تحريم الكلام مشترك بين الخطيب والسامعين –أو الكراهية- إلا لضرورة»[3]. (انتهى كلامه)
وفي المقابل: فإنّ خيرة المبسوط والمعتبر والتبيان وموضع من الخلاف وفقه القرآن والمنتهى وظاهر الغنية عدم الحرمة.
وفي الخلاف: «لا خلاف في أنه مكروه ...»[4]. (انتهى كلامه)
ثمّ لا يخفى أنّ الخلاف بين الأعلام إنما هو في الحرمة التكليفية، وأما عدم بطلان الجمعة به فموضع وفاق وإن كان منهياً عنه، لأنه خارج عن العبادة.
إذا عرفت ذلك فقد استدل للقول بحرمة الكلام على السامعين بجملة من الروايات كلّها ضعيفة السند مع كون أكثرها ضعيف الدلالة:
منها: مرسلة الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الفقيه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لا كلام والإمام يخطب ولا التفات إلا كما يحل في الصلاة، وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتى ينزل الإمام»[5]. وهي ضعيفة بالإرسال، كما أنّ دلالتها غير تامّة لِما ذكرناه سابقاً من أنه ليس المراد تنزيل الخطبتين منزلة الركعتين من حيث الأحكام والشرائط..
ومنها: رواية الحسين بن زيد عن الإمام الصادق (عليه السّلام) عن آبائه (عليهم السّلام) في حديث المناهي، قال: «نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له»[6]. وهي ضعيفة بجهالة الحسين بن زيد، وشعيب بن واقد، كما أنّ إسناد الشيخ الصدوق (رحمه الله) إلى شعيب فيه حمزة بن محمد العلوي وهو مهمل، وعبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري وهو مجهول.
ومنها: رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه، أنّ علياً (عليه السّلام) قال: «يكره الكلام يوم الجمعة والامام يخطب، وفي الفطر والأضحى والاستسقاء»[7]. وهي ضعيفة بأبي البختري.
ومنها: رواية أبي البختري أيضاً -نفس السند السابق- عن عليّ (عليه السّلام): «أنه كان يكره ردّ السلام والإمام يخطب»[8]. وهي ضعيفة كما عرفت. ثمّ إنّ ردّ السلام واجباً، فلا بدّ من حمل الرواية على كون غيره قد ردّ السلام.
ومنها: النبوي: «إذا قلت لغير انصتْ، فقد لغوت»[9]. ومنها: النبوي الآخر: «وسأل أبو الدرداء أُبَياً عن سورة تبارك متى أنزلت والنبي صلى الله عليه وآله يخطب فلم يجبه ثم قال له أُبَيّ ليس لك من صلاتك إلا ما لغوت فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: صدق أُبَيّ»[10]. وهما ضعيفتان جداّ لعدم ورودهما من طرقنا أصلاً، إنما هما من مرويّان من كتب العامّة.
ومنها: مرسلة دعائم الإسلام عن الصادق (عليه السّلام): «إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصمت»[11]. وهي ضعيفة بالإرسال.
وعليه: فهذه الروايات كلها ضعيفة السند، وأكثرها إن لم يكن كلها ضعيف الدلالة.
أما لو قطعنا النظر عن ضعف الروايات، وهذا ما سيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص63.
[2] جواهر الكلام: ج11، ص293.
[3] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص141.
[4] الخلاف (للطوسي): ج1، ص625.
[5] وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.
[6] وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح4.
[7] وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح5.
[8] وسائل الشيعة: باب 14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح6.
[9] صحيح مسلم: ج3، ص4.
[10] سنن البيهقي ج 3 ص 219.
[11] دعائم الإسلام: ج1، ص145.
|