• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث صلاة الجمعة / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس 638 _ صلاة الجمعة 24 .

الدرس 638 _ صلاة الجمعة 24

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجب بينهما على الأقوى*
قال صاحب المدارك (رحمه الله)
: «هذا هو المشهور بين الأصحاب»[1]. (انتهى كلامه)
وقال صاحب الجواهر (رحمه الله): «على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في ظاهر الغنية الاجماع عليه»[2]. (انتهى كلامه)
وفي الرياض: «الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر. مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحا بين الطائفة»[3]. (انتهى كلامه)
أقول: استدل لوجوب الجلوس بين الخطبتين بثلاثة أدلة:
الدليل الأول: الإجماع، المدعى في ظاهر الغنية. وفيه: ما عرفت فلا حاجة للإعادة.
الدليل الثاني: التأسي بالنبي (صلّى الله عليه وآله) فإنه فعل ذلك. وفيه: ما عرفت أيضاً من أن فعل المعصوم (عليه السّلام) مجمل لا ظهور فيه.
الدليل الثالث: الروايات المستفيضة:
منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في حديث قال: «وليقعد قعدة بين الخطبتين»[4].
ومنها: صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السّلام) حيث ورد فيها: «الخطبة وهو قائم خطبتان، يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»[5].
ومنها: موثقة سماعة المتقدمة حيث ورد فيها: «ثمّ يجلس ثمّ يقوم»[6].
ومنها: حسنة محمد بن مسلم، حيث ورد فيها: «... ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد، ثم يقوم فيفتتح خطبة...»[7]. وكذا غيرها من الروايات.

هذا، وقد احتمل المحقق في المعتبر والعلّامة في المنتهى (رحمهما الله) استحباب الجلوس، لأن فعل النبي (صلّى الله عليه وآله) كما يحتمل أن يكون تكليفاً، يحتمل أن يكون للاستراحة. ولكنك عرفت: أنّ الدليل ليس منحصراً بفعل النبي (صلّى الله عليه وآله)، بل ذكرنا أن الدليل القوي هو الروايات المستفيضة.

ثمّ إنه: هل يجب أن تكون الجلسة خفيفة. ظاهر جماعة من الأعلام هو الوجوب، كما هو ظاهر الروايات، وهو الإنصاف.
ولا يبعد أن يكون التقييد بالخفيفة لأجل اعتبار التوالي بين الخطبتين، ويحتمل أن تكون الخفّة واجبة مطلقاً وإن لم تفت الموالاة، لظاهر صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة.
وأما تقديرها بمقدار قراءة "قل هو الله أحد" كما في حسنة ابن مسلم المتقدمة، فلعله لأنه الأفضل، وذلك لإجزاء الأقل وصدق الخفّة بالأزيد.

هذا، وظاهر جماعة من الأعلام أنه لا يتكلم حال الجلوس للنهي عنه كما في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة. ولكن احتمل بعض الأعلام منهم صاحب المدارك (رحمه الله) إرادة النهي عن التكلم بشيء من الخطبة حاله. وفيه: أنه خلاف الظاهر، فلو أخذنا بظاهر النهي لكان ظاهره عدم التكلم مطلقاً، ولا ريب أنّ الاحتياط يقتضي الترك.

وهل تجب الطمأنينة في هذا الجلوس أم لا؟
ذهب صاحب المدارك (رحمه الله) إلى الوجوب، ولكن الانصاف هو ما ذكرناه من الطمأنينة في القيام[8]. وقد عرفت أنّ الأقوى عدم اعتبارها، والله العالِم.

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإيقاعهما بعد الزوال، والمروي جوازهما قبله*
قال في المدارك: «اختلف الأصحاب في وقت الخطبة. فقال السيد المرتضى في المصباح: إنه بعد الزوال فلا يجوز تقديمها عليه. وبه قال ابن أبي عقيل، وأبو الصلاح، ونسبه في الذكرى إلى معظم الأصحاب. وقال الشيخ في الخلاف: يجوز أن يخطب عند وقوف الشمس، فإذا زالت صلى الفرض. وقال في النهاية والمبسوط: يجوز إيقاعهما قبل الزوال. والمعتمد الأول»[9]. (انتهى كلامه)

وممّن ذهب إلى جواز التقديم: المحقق (رحمه الله) في الشرائع والمعتبر، ويظهر ذلك أيضاً من المصنف (رحمه الله) في الذكرى، حيث قال: «الرابعة: الأولى ايقاعهما بعد الزوال»[10]. (انتهى كلامه)
ومنهم أيضاً صاحب الجواهر والمحقق الهمداني (رحمهما الله)، وفي الوسيلة: «يجب التقديم»[11]. (انتهى كلامه)
والإنصاف: هو جواز التقديم.

وقد استدل للقول الأول -وجوب كونهما بعد الزوال- بعدة أدلة:
منها: قوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾. أوجب السعي بعد النداء الذي هو الآذان فلا يجب قبله. وفيه: أنّ وجوب السعي بعد الزوال لا ينفي جوازه قبله، وعليه: فإذا حصل العدد المعتبر في صلاة الجمعة جاز أن يخطبهم الإمام قبل الزوال، والإنصاف: أنّ الآية الشريفة إنما تصلح أن تكون دليلاً لإبطال القول بوجوب التقديم كما حكي ذلك عن ابن حمزة في الوسيلة، ولا تصلح أن تكون دليلاً لإبطال القول بالجواز قبل الزوال.
ومنها: استقرار سيرة المسلمين على كون الخطبتين بعد الزوال في جميع الأعصار والأمصار. وجوابه: يظهر ممّا تقدم، فإنّ هذه السيرة على فرض ثبوتها وعدم المناقشة في ذلك، -وإلّا فصحيحة عبد الله بن سنان الآتية يظهر منها عكس ذلك في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله)، ومهما يكن فإنه مع قطع النظر- فهذه السيرة إنما تصلح دليلاً لنفي وجوب التقديم أو استحبابه، ولا تصلح دليلاً لنفي جواز التقديم، والخصم يدعي الجواز فقط..
ومنها: أنه يستحب صلاة ركعتين عند الزوال، وإنما يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعد الزوال، لأن الجمعة عقيب الخطبة فلو وقعت الخطبة قبل الزوال تبعتها صلاة الجمعة، فينتفي استحباب صلاة الركعتين والحال هذه. وفيه: أنّ استحباب الركعتين يمكن تقييده بما إذا لم يخطب قبل الزوال، بل لسنا بحاجة للتقييد لأنه بتقديم الخطبتين اختار الترك، ومهما يكن فإنّ ما ذكر إنما يصلح لإبطال القول بوجوب التقديم أو استحبابه لا جوازه كما لا يخفى.
ومنها: أنّ الخطبتين بدل من الركعتين فكما لا يجوز إيقاع المبدل قبل الزوال فكذا البدل تحقيقاً للبدلية. وفيه: أنه يمنع ظهور أدلة البدلية فيما نحن فيه والحكم بأنه في صلاةٍ حالهما، ولعل الحكم بالبدلية من باب أنه ينتظر الصلاة، ومن انتظرها كان بحكم المصلي. والخلاصة: أنه لا يظهر من أدلة البدلية إعطاء جميع الشرائط المعتبرة في المبدل عنه للبدل -أي الخطبتين- وإنما أريد بالبدلية في الروايات الدالة عليها بيان الحكم والمناسبات المقتضية للتخفيف.
ومنها: حسنة محمد بن مسلم قال: «سألته عن الجمعة، فقال: بأذان وإقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد، ثم يقوم فيفتتح خطبة، ثم ينزل فيصلي بالناس فيقرأ بهم في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين»[12]. ومضمرات محمد بن مسلم مقبولة كمضمرات زرارة وسماعة. والإنصاف: أنّ هذه الحسنة من أقوى الأدلة على كون الخطبتين بعد الآذان، وقوله (عليه السّلام): «يخرج الإمام بعد الآذان» جملة خبرية، وقد ذكرنا في علم الأصول أنّ الجملة الخبرية في مقام الطلب هي أقوى دلالة على الوجوب من صيغة الأمر، فلو لم يوجد ما يدل على جواز التقديم لكنا ذهبنا إلى وجوب التأخير لأجل هذه الحسنة، ولكن سنذكر إن شاء الله ما يدل على جواز التقديم، وعليه: فتحمل حسنة ابن مسلم على الاستحباب جمعاً بين الأدلة. هذا تمام الكلام بالنسبة لأدلة القول الأول.

وأما القول الثاني -أي جواز تقديم الخطبتين على الزوال- فقد استدل له ببعض الأدلة:
منها: الإجماع المحكي في الخلاف. وفيه: مضافاً إلى ذهاب الأكثر إلى خلاف ذلك، أنه من الإجماع المنقول بخبر الواحد الذي قد عرفت أنه غير حجة.
ومنها: الروايات الكثيرة الدالة على توقيت صلاة الجمعة بالزوال المستلزم لجواز تقديم الخطبتين، ضرورة كون المراد من الصلاة نفس الركعتين، وتأويل الصلاة بها وما في معناها -أعني الخطبتين- لكونهما بدلاً عن الركعتين خلاف الظاهر. اللهم إلّا أن يقال: إنّ إطلاق صلاة الجمعة على ما يعمّ الخطبتين أمر شايع كإطلاقها على ما يعمّ الإقامة، فكما لا يفهم منها إرادة التوقيت بالنسبة إلى نفس الصلاة معرّاة عن اقامتها بحيث يلزمه الالتزام بجواز تقديمها على الوقت ان قلنا بوجوبها وعدم جواز الاخلال بها عمدا فكذا بالنسبة إلى الخطبة، وعليه فهذا الدليل لم يكتب له التوفيق أيضاً.
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شِراك ويخطب في الظل الأول، فيقول جبرئيل: يا محمد قد زالت الشمس فأنزل فصلِّ، وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام»[13]. والشِراك: سيْرُ النَّعْلِ على ظهر القدَم، والسيْرُ من الجلد ونحوه: ما يقدّ منه مستطيلاً .
وجه الاستدلال بهذه الصحيحة: هو أنّ المستفاد من الظلّ الأول ما كان قبل حدوث الفيء بقرينة قول جبرائيل: «يا محمد قد زالت الشمس فأنزل فصلِّ»، ومن المعلوم أنّ الفيء هو الحاصل قبل الزوال، وعليه: فيظهر من هذه الصحيحة أنّ الخطبة بتمامها كانت تقع في الظلّ الأول وأنّ جبرئيل كان عند انتهاء الظل يخبره بالزوال ويأمره بالنزول ولا ينافي ذلك ما في صدر الصحيحة من أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يصلي حين تزول الشمس قدر شراك، إذ المتبادر من قدر شراك قدره عرضا، إذ هو المناسب حينئذٍ لإخبار جبرائيل (عليه السّلام) بالزوال، وهو أول الزوال عرفا بحيث لا يكاد يحصل الجزم بتحققه قبله.
قال المصنف (رحمه الله) في الذكرى: «وهذه الرواية قوية اسنادا ومتناً. وتأويلها بان المراد ب‍ (الظل الأول) هو: الفيء الزائد على ظل المقياس، فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظل الأول -وهو: أن يصير ظل كل شيء مثله- صلى الظهر -كما أوّلَه الفاضل- بعيد، لأنه خلاف الظاهر من وجهين: أحدهما: ان الظل لغة ما قبل الزوال، والأصل عدم النقل، وتقييد الظلّ ب‍ (بالأول) رفع للتجوز به عن الفيء. والثاني: ان زوال الشمس هو حقيقة شرعية في مثلها عند منتصف النهار، والتقييد ب‍ (قدر الشراك) قرينة له أيضا. على أن التأويل يلزم منه ظاهرا ايقاع الجمعة بعد خروج وقتها عند صاحب التأويل»[14]. (انتهى كلامه) وهو متين.
والخلاصة: انّ هذه الصحيحة هي الدليل القوي على جواز التقديم، وبها يرفع اليد عن ظاهر حسنة ابن مسلم المتقدمة في وجوب التأخير وتحمل على الاستحباب، ولا ينافي حملها على الاستحباب ظهور صحيحة عبد الله بن سنان في مواظبة النبي (صلّى الله عليه وآله) على الخطبة قبل الزوال لاحتمال كون مواظبته (صلّى الله عليه وآله) على ذلك لمرجحات خارجية كرعاية حال المأمومين ونحو ذلك.

ولم يبقَ في المسألة إلّا ما حكي عن ظاهر الوسيلة من وجوب تقديم الخطبتين على الزوال، والظاهر أنه لا دليل له، اللهمّ إلّا أن يقال إنه استنبطه من الروايات الدالة على ضيق وقت الجمعة وأنه أوّل الزوال بحملها على إرادة الضيق الحقيقي وإرادة نفس الركعتين من الجمعة دون ما يتعلق بها أي الخطبة. وفيه: ما لا يخفى. والله العالِم.

أما اشتراط الطهارة من الحدث والخبث، فيأتي إن شاء الله في الدرس القادم.                                                                              
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص39.
[2] جواهر الكلام: ج11، ص233.
[3] رياض المسائل: ج4، ص49.
[4] وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.
[5] وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.
[6] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.
[7] وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح7.
[8] الدرس 634 _ صلاة الجمعة 20
[9] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص35.
[10] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص136.
[11] الوسيلة (ابن حمزة الطوسي): ص104.
[12] وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح7.
[13] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح4.
[ 14] الفهرست للطوسي (رحمه الله): ص252، رقم: 765.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1603
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 7-05-2018
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12