• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 168 _ الإستصحاب 29 .

الدرس 168 _ الإستصحاب 29

لا زال الكلام فيما ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله): بأنه ليس المراد من اليقين هو اليقين السابق، بل المراد من اليقين، هو اليقين بدخول شهر رمضان لأنه لا يجب الصوم إلا مع اليقين.

أقول: مقتضى الإنصاف ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله)، لأنّ قوله (عليه السلام): «وأفطر للرؤية» يدل على وجوب صوم يوم الشكّ في آخر شهر رمضان إذا شكّ في دخول شهر شوّال، مع أنه يومٌ مشكوك في كونه من رمضان.
وبالجملة: فلو كان المراد من قوله (عليه السلام): «اليقين لا يدخل فيه الشكّ» هو عدم إدخال اليوم المشكوك فيه في رمضان، فكيف أدخل صوم يوم الشكّ في آخر شهر رمضان فيه.
ومن هنا يتضح: أن المراد من قوله (عليه السلام): «اليقين لا يدخل فيه الشكّ» هو اليقين بأنّ اليوم الماضي كان من شعبان، أو اليقين بعدم دخول رمضان، أو اليقين بعدم وجوب الصوم في شعبان، فيستصحب عدمه إذا شكّ في دخول شهر رمضان، أو اليقين بوجوب الصوم في شهر رمضان فيستصحب بقاؤه إذا شكّ في دخول شهر شوّال.
ومن هنا: صحّ التفريع بالنسبة إلى قوله (عليه السلام): «صمْ للرؤية وأفطر للرؤية».

وأما الروايات المتواترة الدالة على عدم صحة الصوم في يوم الشكّ أنه من شعبان أو رمضان إذا صامه بعنوان أنه من رمضان، فهذه لا تكون قرينة على كون هذه الرواية أيضاً لبيان هذا المعنى.
وأما الإشكال: بأنّ وجوب الصوم وكذا الإفطار إنما يكون مترتباً على ثبوت كون النهار المشكوك من رمضان أو شوّال بنحو مفاد «كان» الناقصة، أي النهار المتصف بأنه من رمضان، والنهار المتصف أنه من شوّال، ومن المعلوم أنه بهذا الشكل لا يجري فيه الاستصحاب لعدم الحالة السابقة له، وعليه: فالاستصحاب الجاري في المقام –وجودياً كان أو عدمياً- إنما يكون بمفاد «كان» و «ليس» التامّتين كأصالة بقاء رمضان وأصالة عدم دخول شوّال، وهو بهذا الشكل لا يترتب عليه أثر شرعيّ لأنّ الأثر الشرعي من وجوب الصوم إنما يترتب على اتّصاف النهار بأنه من رمضان، لا على مجرد بقاء رمضان في العالَم، والأثر الشرعي من وجوب الإفطار إنما يترتب على اتّصاف النهار بأنه من شوّال لا على مجرد عدم دخول شوّال في اليوم المشكوك فيه الذي يلزمه عقلاً بعد ذلك اتّصاف النهار بأنه من شوّال. وبالجملة: جريان الاستصحاب بمفاد «كان» و «ليس» التامّتين لإثبات ما كان مترتباً على مفاد «كان» و «ليس» الناقصتين يكون من الأصل المثبت، وهو غير حجة.
ولكن سيأتي إن شاء الله تعالى دفع هذال الإشكال في بعض تنبيهات الاستصحاب، بإجراء الاستصحاب في نفس الحكم لا في الموضوع حتى يلزم هذا الإشكال، أو أنه يجري في نفس الزمان من دون تقيّده بشيء، كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى. والذي يهوّن الخطب في المقام أنّ الرواية ضعيفة السند. 

ومن جملة الروايات التي استدل بها على حجية الاستصحاب مطلقاً: صحيحة عبد الله بن سنان، قال: «سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر: إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليَّ، فأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه»[1]. وهي تدلّ على حجية الاستصحاب.

وأما دلالتها على الاستصحاب لا على قاعدة الطهارة: فلأجل التعليل، حيث ذكر أنّ الوجه في عدم غسله هو سبق العلم بطهارته وعدم العلم بارتفاعها بعد إعارته إياه، لا أنه من جهة قاعدة الطهارة، وإلا لم يكن للتعليل المزبور مجال، لأنّ الحكم في القاعدة مستند إلى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة.

لا يقال: أنّ موردها إعارة الثوب للذمي كما أنّ موردها هو الشكّ في الرافع لأنّ الطهارة ممّا لها دوام في نفسها لولا الرافع.
فإنه يقال: أنه لا خصوصية للمورد بحسب الفهم العرفي وإنما كان ذلك من باب المثال نظراً إلى التعليل الوارد فيها، والله العالِم.

ومن جملة ما استدل به حجية الاستصحاب مطلقاً: ثلاث روايات أيضاً:
الرواية الأولى: ما رواه الكليني (رحمه الله) عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة»[2]. هذه الرواية ضعيفة بعدم وثاقة مسعد بن صدقة.

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ (رحمه الله) بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- قال: «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك»[3]. هذه الرواية موثقة لوجود جملة من الفطحية في السند.

الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ (رحمه الله) بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبي داود المنشد، عن جعفر بن محمد، عن يونس، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر»[4].
ورواها الكليني (رحمه الله) عن محمد بن يحي عن محمد بن الحسين مثله. وهي ضعيفة بطريق الشيخ والكليني (رحمهما الله) بجهالة جعفر بن محمد، فإنه مشترك بين عدة أشخاص.
ورواها الشيخ (رحمه الله) أيضاً بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحي عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن أبي داود المنشد عن جعفر بن محمد عن يونس عن حماد بن عيسى مثله. هذه الرواية ضعيفة بجهالة جعفر بن محمد.
ورواها الكليني (رحمه الله) أيضاً عن محمد بن يحي وغيره عن محمد بن أحمد عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي بإسنادٍ له قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) وذكر الحديث. هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.

أما كيفية الاستدلال في هذه الروايات الثلاث على الاستصحاب، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة: باب 74 من أبواب النجاسات والأواني والجلود، ح1.
[2] وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح4.
[3] وسائل الشيعة: باب 37 من أبواب النجاسات والأواني والجلود، ح4.
[4] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب الماء المطلق، ح5.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1507
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 14-02-2018
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12