• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 164 _ الإستصحاب 25 .

الدرس 164 _ الإستصحاب 25

ومن جملة الروايات التي استدل بها لحجية الاستصحاب مطلقاً: صحيحة ثالثة لزرارة.

هذه الصحيحة رواها الكليني (رحمه الله) عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام).
ولا يخفى أنّ الطريق الأول: حَسَن، بإبراهيم بن هاشم.
وأما الطريق الثاني: فهو ضعيف، لأنّ محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني (رحمه الله) ليس هو ابن بزيع الثقة، لأنّ ابن بزيع من أصحاب الأئمة الثلاثة: الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام)، فكيف يروي عنه الكليني (رحمه الله) مباشرة.
وعليه: فيدور أمره بين البرمكي أو النيشابوري، والظاهر أنه النيشابوري المجهول، تلميذ الفضل بن شاذان، وتوثيق بعض المتأخرين له لا يفيد، كما ذكرنا في علم الرجال.

ورواها صاحب الوسائل (رحمه الله) مقطّعة، بعضها في باب: مَنْ شكّ بين الإثنين والأربعة، في الباب الحادي عشر من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، وبعضها في باب: مَنْ شكّ بين الثلاث والأربعة، في الباب العاشر من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
وتمامها هكذا: «قلت له: من لم يدرِ في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال: يركع بركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه[1].
وإذا لم يدرِ في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يدخل الشك في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات»[2].
والشاهد هو قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشك». أي اليقين بعدم الإتيان بالرابعة لا ينقضه بالشكّ في إتيانها، بل يبني على عدم الإتيان بالرابعة ثمّ يقوم فيضيف إليها ركعة.

قال الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله): «وقد تمسّك بها في الوافية وقرّره الشارح وتبعه جماعة ممن تأخّر عنه، وفيه تأمّل، لأنه إن كان المراد بقوله (عليه السلام) فأضاف إليها ...»[3]. (انتهى كلامه)
أقول: حاصل ما ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله) «من التأمّل» مع توضيح منّا:
هو أنّ المراد من الركعة في قوله (عليه السلام): قام فأضاف إليها أخرى. إمّا الركعة الموصولة بالركعات الثلاث، وإمّا المفصولة عنها بتكبير وتسليم.
فعلى الأول: ينطبق قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشكّ» على الاستصحاب، ويكون المعنى: أنّ اليقين بعدم فعل الرابعة لا ينقض بالشكّ في فعلها، بل يبني على عدمها ويأتي بها متصلة بالركعات السابقة، ولكنه يخالف ما استقرّ عليه مذهب الإمامية من البناء على الأكثر وإتيان ركعة أخرى منفصلة عنها بتكبير وتسليم، بل يخالف أيضاً صدر الصحيحة: «قلت له: من لم يدرِ في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال: يركع بركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب»، حيث يظهر منها بقرينة تعيين فاتحة الكتاب أنه أراد ركعتين منفصلتين -أعني صلاة الاحتياط-، وإلا كان مخيراً بين الفاتحة والتسبيحات، بل لعل الأفضل الإتيان بالتسبيحات.
وعلى الثاني: أي إذا أراد من «الركعة» الركعة المفصولة بتكبير وتسليم، فهي وإن كانت موافقة لمذهب الإمامية إلا أنها لا تنطبق على الاستصحاب، إذ يكون المراد من اليقين في قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشكّ»، هو اليقين بتحصيل البراءة من البناء على الأكثر والإتيان بركعة الاحتياط مفصولة.
وقد جرى اصطلاح الأئمة (عليهم السلام)  على تسمية الوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات من البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة بالبناء على اليقين، فإنه قد ورد التعبير بذلك في عدة من الاخبار، كقوله (عليه السلام): «إذا شككت فابن على اليقين»[4]، فان المراد من البناء على اليقين هو البناء على الأكثر والإتيان بركعات الاحتياط مفصولة.
وعلى هذا لا تنطبق الرواية على الاستصحاب ولا يصح الاستدلال بها، بل لو سلم ظهور الرواية في كون المراد من «الركعة» هي الركعة المتصلة -على طبق مفاد الاستصحاب- إلا أنه لا يمكن الاخذ بظاهرها، لأن ذلك يخالف مذهب الإمامية، فلابد إما من حمل «الركعة» على الركعة المفصولة، وإما من الحمل على التقية وهي خلاف الأصل، فإنّ أصالة الجهة فيها تقتضي صدورها لبيان الحكم الواقعي، فيتعين الأول -أي الحمل على الركعة المفصولة-.

إلا أن يقال: إن التقية إنما هي في تطبيق الاستصحاب على المورد، فيحمل قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشك»، على بيان الحكم الواقعي، ولكن تطبيق العمل بالاستصحاب على المورد كان للتقية، فالتقية إنما تكون في التطبيق فقط.
ولكن هذا أيضا خلاف الظاهر، مضافاً إلى أنه ينافي ما في صدر الرواية من الظهور في لزوم الفصل في الشكّ بين الاثنتين والأربع، فيكون هذا على خلاف مذهب العامّة.
وعليه: فيتعين حمل «اليقين» في الصحيحة على اليقين بالبراءة والإتيان بالوظيفة المقررة في الشريعة للشك في عدد الركعات. هذا حاصل ما ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله) بتوضيح منّا.

ويَرِد عليه: أنّ حمل «اليقين» في الصحيحة على اليقين بالبراءة والأخذ بالوظيفة المقررة في الشكّ، خلاف الظاهر جداً.
وتوضيحه: أنّ الإمام (عليه السلام) علّمنا كيفية اليقين بالبراءة والأخذ بالوظيفة المقررة عند الشكّ، بقوله (عليه السلام) في موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال له: «يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين، متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت»[5]. وفي رواية أخرى لعمار بن موسى الساباطي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شيء من السهو في الصلاة، فقال: ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟ قلت: بلى، قال: إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء، وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت»[6]. وكذا غيرها من الروايات.
وعليه: فاليقين بالبراءة يكون بالبناء على الأكثر ثمّ الإتيان بركعة أخرى.   

أما تتمة الإشكالات على الشيخ الأعظم (رحمه الله)، فيأتي في الدرس القادم، إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3.
[2] وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3.
[3] فرائد الأصول: ج3، ص63.
[4] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح2.
[5] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح1.
[6] وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1497
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 06-02-2018
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18