• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 157 _ الإستصحاب 18 .

الدرس 157 _ الإستصحاب 18

أما إذا كان المستصحب حكماً شرعياً:
فتارة يعلم إرسال الحكم في الزمان: بحيث يعمّ جميع الأزمنة، كما في الملكية والزوجية والطهارة والنجاسة، حيث لها قابلية البقاء في عمود الزمان، فالشكّ في بقائه يكون دائماً من الشكّ في الرافع، فإنّ الشكّ في بقاء الحكم المرسل كالملكيّة والزوجية ونحوها لا يمكن إلا من جهة الشكّ في حدوث أمر زمانيّ يقتضي رفع الحكم مع اقتضائه للبقاء، كالشكّ في حدوث الطلاق بالنسبة للزوجية والشكّ في حدوث البيع أو الهبة بالنسبة للملكية.
وأخرى لا يعلم إرسال الحكم في الزمان: كما إذا تحققت زوجية بين رجلٍ وامرأةٍ ولم يعلم كونها دائمة أو منقطعة، فهذا يكون من الشكّ في المقتضي.

وثالثة يكون الحكم مغيّاً:
فتارة يشك في مقدار الغاية من جهة الشبهة الحكمية: كما إذا شكّ في أنّ غاية وجوب صلاة المغرب هل هي ذهاب الحمرة المغربية أو أن غايته انتصاف الليل.
وأخرى يشكّ في مقدار الغاية من جهة الشبهة المفهومية: كما إذا شكّ في أنّ الغروب الذي أُخذ غاية لوجوب صلاة الظهرين هل هو استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية.
وثالثة يشكّ في الغاية من جهة الشبهة الموضوعية: كما إذا شكّ في طلوع الشمس الذي أخذ غاية لوجوب صلاة الصبح.

فإن شكّ في مقدار الغاية من جهة الشبهة الحكمية: فالشكّ في بقاء الحكم فيما وراء القدر المتيقن من الغاية يكون من الشكّ في المقتضي.
وكذا إذا كان الشكّ في مقدارها من جهة الشبهة المفهومية: فان الشك في بقاء وجوب صلاة الظهرين إلى ما بعد استتار القرص يرجع إلى الشك في أمد الحكم ومقدار استعداد بقائه في الزمان، احتمال أن يكون الغروب هو استتار القرص، فيكون قد انتهى عمر الحكم. وعليه: فيكون من الشكّ في المقتضي.
وإن كان الشك في حصول الغاية من جهة الشبهة الموضوعية: فالشك في ذلك يرجع إلى الشك في الرافع حكما لا موضوعا، لأن الشك في الرافع هو ما إذا شك في حدوث أمر زماني، والشك في المقام يرجع إلى حدوث نفس الزمان الذي جعل غاية للحكم، فالشك في حصول الغاية ليس من الشك في الرافع حقيقة، إلا أنه ملحق به حكما فان الشك في طلوع الشمس لا يرجع إلى الشك في مقدار استعداد بقاء الحكم في الزمان، للعلم بأنه يبقى إلى الطلوع، وإنما الشك في تحقق الطلوع، فيكون كالشك في حدوث ما يرفع الحكم.

ومما ذكرنا يتضح لك: أنّ مسألة انتقاض التيمم بوجدان الماء في أثناء الصلاة من موارد الشكّ في الرافع، فإنّ الطهارة من الحدث التي تحققت بالتيمم باقية ما لم يطرأ وجدان الماء. وكذا الشكّ في بقاء الملكية بعد رجوع أحد المتبايعين في المعاطاة من الشكّ في الرافع. وأما الشكّ في بقاء الخيار في الآن الثاني من ظهور الغبن فهو من الشكّ في المقتضي لاحتمال كون الخيار مجعولاً من الآن الأول فقط فلا يكون له استعداد البقاء بنفسه.

[الدليل على جريان الاستصحاب في الشكّ بالرافع دون المقتضي]
إذا عرفت ذلك فنقول
: قد ذكر لتخصيص الحجيّة بالشكّ في الرافع دون الشكّ في المقتضي عدة وجوه، نقتصر منها على وجهين مهمّين:
الوجه الأول: وهو ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله)، حيث قال: «أن حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية، كما في نقض الحبل. والأقرب إليه -على تقدير مجازيته- هو رفع الأمر الثابت. وقد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشيء -ولو لعدم المقتضي له- بعد أن كان آخذا به، فالمراد من "النقض" عدم الاستمرار عليه والبناء على عدمه بعد وجوده. إذا عرفت هذا، فنقول: إن الأمر يدور: بين أن يراد ب‍ "النقض" مطلق ترك العمل وترتيب الأثر –وهو المعنى الثالث- ويبقى المنقوض عاما لكل يقين. وبين أن يراد من النقض ظاهره - وهو المعنى الثاني –فيختص متعلقه بما من شأنه الاستمرار والاتصال، المختص بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى. ولا يخفى رجحان هذا على الأول، لأن الفعل الخاص يصير مخصصا لمتعلقه العام، كما في قول القائل: لا تضرب أحدا، فإن الضرب قرينة على اختصاص العام بالأحياء، ولا يكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات». (انتهى كلامه) 

وحاصل ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله): أنّ حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية، كما في نقض الحبل، وكما في قوله تعالى: ﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً﴾.
وعليه: فيختصّ متعلقه بما كان له أجزاء مبرمة ومفتولة كخيوط الغزل، ولمّا كان هذا المعنى هنا غير ممكن، فيدور الأمر بين حمله على رفع اليد عن الأمر الثابت لوجود مقتضيه، وبين حمله على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم مقتضى البقاء فيه في عمود الزمان؛ ولا يخفى أن الأول أقرب إلى المعنى الحقيقي، لأنه من جهة اقتضاء البقاء فيه يشبه خيوط الغزل وأجزاء الحبل من حيث الاتصال والاستمرار، فالنقض في الحقيقة يكون متعلقاً بنفس المتيقن، بأن يكون المراد من اليقين: المتيقن، بحيث استعير للمتيقن لفظ اليقين، ويكون قد أطلق اليقين وأريد منه المتيقن مجازاً، والمصحح لاستعارته في المقام هو حيثية استمراره وبقائه.

أما الإيرادات التي أوردت على كلام الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله)، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1477
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 17-01-2018
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12