• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 140 _ قاعدة لا ضرر ولا ضرار 18 . الإستصحاب 1 .

الدرس 140 _ قاعدة لا ضرر ولا ضرار 18 . الإستصحاب 1

لا زال الكلام في الموارد التي خرجت من تحت قاعدة «لا ضرر» تخصيصاً.

المورد الثاني: ما ورد في غسل الجنابة، من أنه يجب عليه الغسل وإن تضرر من الغسل.
 ما ذكره جماعة من الأعلام، منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف، والشيخ المفيد في المقنعة، والشيخ الصدوق في الهداية (رحمهم الله جميعاً): أنه يغتسل فيما لو أجنب عمداً.
وذهب المشهور إلى عدم الفرق بين تعمد الجنابة وعدم التعمد.
ومهما يكن، فقد إستدل لوجوب الغسل وإن لزم الضرر بعدة أدلة:
منها: صحيحة سليمان بن خالد، وأبي بصير، وعبد الله بن سليمان جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه سُئل عن رجلٍ كان في أرض باردة، فتخوف إنْ هو اغتسل أن يصيبه عَنَتٌ من الغسل، كيف يصنع؟ قال: يغتسل وإن أصابه ما أصابه. قال -وذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد، وكانت ليلة شديدة الريح باردة- فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنا نخاف عليك! فقلت: ليس بُدّ، فحَمَلوني ووضعوني على خشبات، ثم صبّوا عليّ الماء فغَسَلوني»[1].  وكذا غيرها من الروايات كصحيحة ابن مسلم[2]، ونحوها.

ولكن نحن ذهبنا في مبحث التيمم إلى أنه في هذه الصورة يتيمم ولا يغتسل، وذكرنا المسألة بالتفصيل في كتابنا «مسالك النفوس إلى مدارك الدروس». وقلنا: أنه لو سلمنا ظهور هاتين الصحيحتين في وجوب الغسل حتى مع العلم بالضرر، فإنهما تكونان معارضتَيْن للأدلة الدالة على التيمم. والترجيح مع الأدلة الدالة على التيمم، لموافقتها الكتاب العزيز، من نفي العسر، والحرج، والضرر، والنهي عن الإلقاء في التهلكة، وقتل النفس، مع أنه من المعلوم أهمية حفظ النفوس والأبدان عند الشارع المقدس على سائر الواجبات النفسية، فضلاً عن الوضوء والغسل اللَذَين جعل الشارع لهما بدلاً اضطراراياً. إلى آخر ما ذكراه فراجع[3]، فإنه مهم. وبناءً عليه فلا تكون هذه الصورة خارجة عن تحت القاعدة.

المورد الثالث: وجوب شراء ماء الوضوء ولو بأضعاف قيمته، مع أنه ضررٌ ماليٌّ على المكلف. كصحيحة صفوان قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلٍ احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء، فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجدٌ لها، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا، بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضأت وما يسوؤني (يسرني) بذلك مالٌ كثير»[4]. وكذا غيرها من الروايات. ولا يخفى أن فيه ضرراً مالياً كثيراً، ومع ذلك حكم الشارع بوجوب الشراء والوضوء. وعليه فهو مستثنى من تحت القاعدة.
الخلاصة: قد تبين أن موارد التخصيص قليلة جداً، فلا إشكال حينئذٍ في التمسك بالقاعدة. والله العالم بحقائق أحكامه.
هذا تمام الكلام في قاعدة «لا ضرر».

[الإستصحاب]

*قال صاحب الكفاية (رحمه الله): في الإستصحاب: وفي حجيته إثباتاً ونفياً أقوالٌ للأصحاب ...* 

ذكرنا سابقاً: أن الشك إما: يلاحظ فيه الحالة السابقة أَوْ لا. وعلى الثاني: فإما أن لا يعلم بالتكليف أصلاً ولو بجنسه، وإما أن يعلم. وعلى الثاني: فإما أن يمكن فيه الإحتياط أَوْ لا. فالأول مجرى الاستصحاب. والثاني مجرى البراءة. والثالث مجرى الاحتياط، كما في مورد دوران الأمر بين القصر والتمام، والرابع مجرى التخيير، كما في دوران الأمر بين المحذورين.

وإنما قيدنا مجرى الإستصحاب بلحاظ الحالة السابقة ولم نكتفِ بمجرد وجودها، لأن مجرد وجودها بلا لحاظها، لا يكفي في كونها مجرى الاستصحاب. إذْ أنّ هناك من ينكر اعتبار الإستصحاب كليّة، أو في خصوص الأحكام الكلية، أو في خصوص الشك في المقتضي، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وبالجملة فالمنكر يدّعي أن وجود الحالة السابقة كعدمها، لا يكون مجرى الاستحصاب. وهذا بخلاف ما إذا لوحظت فيه الحالة السابقة، فإن لحاظها إنما يكون لأجل جريان الإستصاب، ويكون الشك الملحوظ فيه الحالة السابقة مجرى للإستصحاب على جميع الأقوال.

ثم إنّك قد عرفت أيضاً أن الاستصحاب له جهة كشف وحكاية عن الواقع، إلا أن الشارع المقدس لم يعتبره من هذه الجهة، بخلاف الأمارة فإنها مجعولة من هذه الجهة. وحاصل الفرق بينهما هو أن دليل الأمارة متكفل لنفي الشك وإلغاء إحتمال الخلاف، بخلاف دليل الإستصحاب، فإنه ناظر إلى إبقاء اليقين السابق مع حفظ أصل الشك والإحتمال، ومن هذه الجهة يكون الإستصحاب برزخاً بين الأصول والأمارات، فإنه من جهة انحفاظ الشك والاحتمال في موضوعه، كان شبيهاً بالأصول، وتكون الأمارات مقدمة عليه بنحو الحكومة. ومن جهة إقتضائه لبقاء اليقين السابق، كان شبيهاً بالأمارات، ويقدم على سائر الأصول الشرعية والعقلية، ويقوم أيضاً مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية، كما تقدم في محله.

ثم إنَّ هناك أقوالاً عديدة في الإستصحاب، قيل تبلغ الأقوال في المسألة نيفاً وخمسين، على ما في كتاب أوثق الوسائل.

أقول: منشأ الأقوال في المقام هو الإنقسامات اللاحقة للاستحصاب: فتارةً يكون الإنقسام: «باعتبار المستصحب»، وأخرى «باعتبار الدليل عليه»، وثالثة «باعتبار منشأ الشك في بقائه».

أما أقسامه باعتبار المستصحب: فالمستصحب إما أن يكون أمراً وجودياً، وإما أن يكون عدمياً، وعلى كلا التقديرين فإما أن يكون حكماً شرعياً، وإما أن يكن موضوعاً للحكم، وعلى الأول فإما أن يكون حكماً كلياً، وإما أن يكون حكماً جزئياً، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون من الأحكام التكليفية، وإما أن يكون من الأحكام الوضعية.

وأمَّا أقسامه باعتبار الدليل: فالدليل الدال على ثبوت المستحصب إمّأ أن يكون هو الكتاب والسنّة، وإمّا أن يكون هو الإجماع، وإمّا أن يكون هو العقل.

وأمّا أقسامه باعتبار منشأ الشك: فهي أن الشك في بقاء المستصحب إمّا أن يكون لأجل الشك في المقتضي، وإما أن يكون لأجل الشك في وجود الرافع أو الغاية، وإمّا أن يكون لأجل الشك في رافعية الموجود.
وعليه فلأجل هذه الأقسام كثرت الأقوال في المسألة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الوسائل باب 17 من أبواب التيمم ح3.
[2] الوسائل باب 17 من أبواب التيمم ح4.
[3] كتابنا الطهارة: المجلد السادس، ص466-474. (اضغط للتحميل)
[4] الوسائل باب 26 من أبواب التيمم ح1.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1431
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 06-12-2017
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28