• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : قضاء الصلوات / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس112 _قضاء الصلوات 10 .

الدرس112 _قضاء الصلوات 10

أقول: سواء أكانت عبارة الفاضلَيْن صريحة في الإجماع، أم غير صريحة، فلا ينفع في المقام، لما عرفت من عدم شمول حجيّة خبر الواحد للإجماع المنقول بخبر الواحد، فدعوى الإجماع إنما تصلح للتأييد، لا للاستدلال.

ومنها: أدلّة نفي العسر والحرج، إذ يلزم من المضايقة ووجوب المبادرة عدم التشاغل بشيء من الأشياء غير الفوائت والأمور الضرورية، فلا يأكل الإنسان إلاّ قدر الضرورة، ولا يسعى إلاّ في تحصيل الرزق الضروري لذلك اليوم، وكلّ ذلك حرج عظيم منفي في الشريعة.

وبالجملة، يلزم تحريم سائر المضادات ­ بناءً على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده كما هو المشهور ­ وإن كانت أذكاراً، ودعوات، إلاَّ ما تقوم به الحياة، وتمسّ إليه الحاجة التي لا بد من معرفة أقلّ المجزي منها، بل لعلّ الأقلّ من ذلك منافٍ للطف المراد منه بُعد العبد عن المعصية وقربه إلى الطاعات الذي أوجبه على نفسه ربّ السّماوات الرؤوف الرحيم والعليم الحكيم، بل هو مؤدّ في الحقيقة إلى تضييع أعظم مصلحة حالّة لأهون مصلحة فائتة.

وفيه: أنَّ المنفي في الشريعة الإسلاميّة ­ كما ذكرنا في الأصول هو الحرج الشخصي لا النوعي، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، وكميّة القضاء من حيث القلّة والكثرة، فقد لا تكون المبادرة حرجيّة على شخص لقلّة مقدار الفائت، أو كان المكلّف قويّاً قادراً على المبادرة إلى قضاء جميع الفائتات من دون حرج عليه، وهذا بخلاف ما لو كانت الفوائت كثيرة، أو كان المكلّف ضعيفاً، فتكون المبادرة حينئذٍ حرجيّة عليه.

وبالجملة، فلا ضابطة كليّة في المقام، هذا أوّلاً.

وثانياً: لو فرضنا لزوم الحرج من المبادرة إلى القضاء لكون الفوائت كثيرة مثلاً، فالساقط حينئذٍ من وجوب المبادرة بداعي الحرج هو خصوص المرتبة البالغة حدّ الحرج، ولا موجب لسقوطه عن الأقلّ من ذلك، إذ لا حرج فيه.

هذا، وقد ذكر السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله ما حاصله: «أنّ دليل نفي الحرج غير جارٍ في المقام أصلاً، فإنّه كدليل نفي الضرر إنما يجري ويكون حاكماً على أدلّة التكاليف الواقعية فيما إذا كان التكليف بالإضافة إليهما لا بشرط، وأمَّا إذا كان التكليف ممّا قد سُرِّع في مورد الحرج ­ كالجهاد ­ أو الضرر ­ كالخمس والزكاة ­ فكان ملحوظاً بالإضافة إليهما بشرط شيء فلا يكاد يجري في مثله دليل نفي الحرج أو الضرر، والمقام من هذا القبيل، فإنّ أدلّة القول بالمضايقة ­ على تقدير تماميتها ­ إنّما كان مفادها وجوب المبادرة إلى القضاء الذي هو في نفسه حكم حرجي، فكيف يمكن رفعه بدليل نفي الحرج؟!»[i]f633.

وفيه: أنّ وجوب المبادرة إلى القضاء ليس حرجيّاً في حدّ نفسه، بل يختلف باختلاف الأشخاص قوةً وضعفاً، وكثرة الفوائت وقلّتها، فقد يكون حرجاً على شخصٍ دون شخص.

وعليه، فليس القضاء حرجيّاً في حدِّ ذاته كالجهاد.

كما أنَّ تنظيره لذلك بالحكم الضرري كالخمس والزكاة في غير محلّه، لترتب النقص والضرر من الخمس والزكاة دائماً على المكلّف، وإن كانا قليلين، إذ الضرر المالي هو النقص فيه، وهو حاصل في مورد القلّة كحصوله في الكثرة.

والخلاصة: أنَّ المرفوع في دليل نفي الحرج هو الحرج والمشقة العظيمين، لا مطلق الحرج والمشقة، وإلاّ فلا يخلو عنهما تكليف واجب.

أضف إلى ذلك: أنّ كثيراً ممّا ذكر من الأمور الحرجيّة إنّما هي مبنيّة على القول بحرمة الضد، وقد عرفت في محلّه أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، والله العالم.

ومنها: سيرة المسلمين خلفاً عن سلف، فإنّه قلّ مَنْ لم يتعلق بذمته فائتة ولو لإخلال شرط أو ترك تقليد، ومع ذلك ينامون ويجلسون ويكتسبون ويصلّون في أوائل الأوقات، مع أنّ المشهور عندهم أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده.

قال صاحب الجواهر رحمه الله: «يمكن تحصيل الإجماع ­ بمعنى القطع برأي المعصوم ­ على المواسعة في الجملة، ونفي المضايقة كذلك، إن لم يكن مطلقاً، إذا لوحظت السيرة والطريقة من كافّة المسلمين في الأعصار والأمصار في عدم الالتزام بالمبادرة إلى الفائتة وتقديمها على الحاضرة في السِّعة، حتّى أنّ مقلّدة أرباب المضايقة لا يتابعونهم في العمل على ذلك، فضلاً عن غيرهم؛ وكلام مَنْ عرفت من العلماء الذين فيهم مَنْ هو في زمن المعصوم، ومن أدرك الغيبتين، وحاز الرياستين، وقلّة القائلين بالمضايقة إذ هم عشرة أو ثمانية أو سبعة أو ستة أو غير ذلك، بل كان الإجماع قد استقرّ بعد زمان الحلي على نفي المضايقة...».

وفيه: أنّه يشكل الاعتماد على مثل هذه السيرة التي قد يكون منشأها قلّة المبالاة بالدَيْن، لجريان هذا الكلام بعينه في حقوق الناس التي لا شبهة في فوريّتها، إذ قلّ من لم يتعلّق بذمّته شيء من الحقوق من الأخماس والزّكوات والديون والغرامات، وسائر الحقوق التي يجب الاستحلال من صاحبها من إيذاء، أو قذف، وسبّ، ونحوها، مع أنّه قلّ مَنْ يبادر من المسلمين إلى تفريغ ذمّته من جميع ذلك فوراً، مع أنّه بناء على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده يلزم أن تكون كل الأفعال المضادة لأداء الحق منهيّاً عنها.

والإنصاف: أنّ قضية الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، وإن كانت مشهورة بين الأصوليين، إلاّ أنّ عامّة النّاس لا يعرفونها، بل وكذلك كثير من الأعلام، إذ لم يعهد عنهم الالتزام بما يتفرع على هذه المسألة الأصوليّة في سائر أبواب الفقه، بل حكي عن فقيه عصره وفريد دهره صاحب كشف الغطاء التصريح بأن مسألة الضد شبهة في مقابلة الضرورة،، وقد عرفت أنّنا قد التزمنا في علم الأصول أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، والله العالم.

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إن نام رجل، ولم يصلِ صلاة المغرب والعشاء أو نسي، فإنِ استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما، فليصلِّهما، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فَلْيبدأ، فليصلِّ الفجر، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشَّمس، فإن خاف أن تطلع الشَّمس فتفوته إحدى الصَّلاتين فليصل المغرب، ويدع العشاء الآخرة حّتى تطلع الشَّمس ويذهب شعاعها، ثم ليصلّها»[ii]f634.

وحكي نحوها عن رسالة السيد ابن طاووس رحمه الله عن كتاب الحسين بن سعيد، ولكن ابن طاووس رحمه الله لم يذكر طريقه إلى كتاب الحسين بن سعيد فتكون مرسلة، ولكنّها صحيحة بطريق الشيخ، وهذا كافٍ في المقام.

ومحل الشاهد فقرتان:

الأولى: قوله عليه السلام: «وإنِ استيقظ بعد الفجر فَلْيبدأ فليصلِّ الفجر ثمّ المغرب...» ولو كانت المبادرة للقضاء واجبة لكان المفروض تقديم المغرب والعشاء على صلاة الفجر.

الثانية: قوله عليه السلام: «ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشّمس...»، وهي واضحة، إذ لو كانت المبادرة واجبة لما حكم عليه السلام بالتأخير إلى ما بعد الطلوع.

ولكن أُشكِل على هذه الفقرة: بأنّ الحكم بالتأخير مخالف للنصوص الكثيرة، بل هو موافق لأكثر العامّة.

 

[i] شرح العروة: ج16/ ص170، ط: المؤسسة.

[ii] الوسائل باب 62 من أبواب المواقيت ح3.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=113
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 10-12-2014
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12