• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 83 _ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين 6 .

الدرس 83 _ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين 6

 [أصالة الاشتغال: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين]  
  [في جريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين] 
  [محاولات أربع لعدم انحلال العلم الاجمالي]

ثمّ إنّه ذكر عدّة محاولات لعدم انحلال العلم الاجمالي:
المحاولة الرابعة: وهي لصاحب الكفاية أيضاً، حيث قال: «هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها... إلخ». (انتهى كلامه).

وحاصله مع توضيح منّا: إنّ المعروف بين الطائفة الإمامية أعزّها الله تعالى أنّ الأمر بالشيء ناشئ عن غرض للآمر في ذلك الشيء، أي في المتعلّق.وعليه، فيكون الأمر دائماً معلولاً لذلك الغرض، فالعلم بالأمر يستلزم العلم بالغرض، لأنّ العلم بالمعلول يستلزم العلم بالعلّة، وحينئذٍ، فيجب بحكم العقل العلم بحصول ذلك الغرض، ومع الاقتصار على فعل الأقلّ يشكّ في حصوله، فلا بدّ من الاحتياط ليحصل العلم بحصوله، فالشكّ في المقام راجع إلى الشكّ في محصّل الغرض بعد الجزم بثبوته لا في أصل ثبوته مع العلم بمحصّله على تقدير ثبوته، كما في الشبهة البدوية.
ومن المعلوم، أنّ الشكّ في المحصّل مجرى لقاعدة الاشتغال، لا لأصالة البراءة.

ويظهر أنّ هذه المحاولة مأخوذة من كلام الشيخ الأنصاري، حيث قال: «نعم قد يأمر المولى بمركب يعلم أنّ المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله له إذا أتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك، كما إذا علم بمعجون وعلم أنّ المقصود منه اسهال الصفراء، بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة، أو علم أنّه الغرض المأمور به، فإنّ تحصيل العلم بإتيان المأمور به لازم. (إلى أن قال): فإن قلت إنّ الأوامر الشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح في المأمور به فالمصلحة فيها إمّا من قبيل العنوان في المأمور به أو من قبيل الغرض». (انتهى كلامه).

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ هناك عدّة أجوبة عن هذه المحاولة:
منها: ما عن الشيخ الأنصاري (رحمه الله)، وقد أجاب عن ذلك بوجهين: «أحدهما أنّ مسألة البراءة والاحتياط غير مبنيّة على كون كلّ واجب فيه مصلحة وهو لطف في غيره، فنحن نتكلم فيها على مذهب الأشاعرة والمنكرين للحسن والقبح، أو مذهب بعض العدلية المكتفين بوجود المصلحة في الأمر وإن لم يكن في المأمور به.
ثانيهما أنّ نفس الفعل من حيث هو ليس لطفاً ولذا لو أتى به لا على وجه الامتثال لم يصحّ ولم يترتب عليه لطف ولا أثر آخر من آثار العبادة الصحيحة، بل اللطف إنما هو في الاتيان به على وجه الامتثال، وحينئذٍ فيحتمل أن يكون اللطف منحصراً في امتثاله التفصيلي مع معرفة وجه الفعل ليوقع على وجهه، فإنّ من صرّح من العدلية بكون العبادات السمعية إنّما وجبت لكونها ألطافاً في الواجبات العقلية، قد صرّح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه ووجوب اقترانه به، وهذا متعذّر فيما نحن فيه، لأنّ الآتي بالأكثر لا يعلم أنّه الواجب أو الأقلّ المتحقق في ضمنه. (إلى أن قال): وبالجملة، فحصول اللطف بالفعل المأتي به من الجاهل فيما نحن فيه غير معلوم بل ظاهرهم عدمه، فلم يبقَ عليه إلا التخلص من تبعة مخالفة الأمر الموّجه إليه، فإنّ هذا واجب عقلي في مقام الاطاعة والمعصية ولا دخل له بمسألة اللطف... إلخ». (انتهى كلامه).

اعلم أوّلاً: إنّ معنى الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية، هو أنّ الواجبات الشرعية تقرّب العباد إلى الواجبات العقلية، وهي القرب إليه تعالى، كما يشهد به قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾.
ومن المعلوم، أنّ التنزّه عن القبائح تخلية للنفس عن الرذائل، وفعل الواجبات تحلية لها بالفضائل.
وثانياً: إنّ ما ذكره من الوجهين لم يكتب له التوفيق:
أمّا الوجه الأوّل، فهو تسليم للإشكال لا دفع له، فإنّ من يرى بطلان مذهب الأشعري ويعمل على ما يقتضيه مذهب العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الكائنة في متعلقاتها لا بدّ له من الجواب عن ذلك الإشكال.
وأمّا الوجه الثاني، ففيه: أوّلاً: أنّ ما ذكره من عدم امكان القطع بحصول الغرض لو تمّ، فإنّما يتمّ في التعبدّيات دون التوصّليات، لعدم توقّف حصول الغرض فيها على قصد الوجه، فيلزم القول بوجوب الاحتياط في التوصّليات دون التعبّديات، وهو مقطوع البطلان.
وثانياً: أنّ اعتبار قصد الوجه على القول به يختصّ بصورة الامكان دون ما لو لم يمكن قصد الوجه، لعدم المعرفة بالوجه، كما في المقام، إذ القول باعتبار قصد الوجه مطلقاً مستلزم لعدم امكان الاحتياط في المقام، لأنّ معنى الاحتياط هو الاتيان بما يحصل معه العلم بفراغ الذّمة، وهذا ممّا لا يمكن العلم به بناءً على اعتبار قصد الوجه مطلقاً، إذ لا يحصل العلم بالفراغ بالإتيان بالأقلّ لاحتمال وجوب الأكثر، ولا بالإتيان بالأكثر لاحتمال اعتبار قصد الوجه، فلا يحصل العلم بالفراغ لا بالإتيان بالأقلّ ولا بالإتيان بالأكثر، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد، حتى الشيخ نفسه، إذ لا إشكال ولا خلاف في إمكان الاحتياط، بل في حسنه بالإتيان بالأكثر.
والسّر فيه: أنّ قصد الوجه على القول به يختصّ بصورة الامكان، وفي مقامنا هذا لا يكون واجباً حتماً وإلاّ لزم عدم امكان الاحتياط.
وثالثاً: إنّه قد ذكرنا في أكثر من مناسبة، أنّه لا دليل قوي على اعتبار قصد الوجه سوى الاجماع المدّعى من بعض الأعلام، وقد عرفت ما فيه.
ورابعاً: أنّ ما ذكره هنا خلاف مختاره (رحمه الله) من عدم دخل قصد الوجه في تحقق الامتثال. والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1115
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 03-04-2017
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12