• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 74 _ تنبيهات العلم الجمالي 20 .

الدرس 74 _ تنبيهات العلم الجمالي 20

[أصالة الاشتغال: تنبيهات العلم الإجمالي]
 [التنبيه الرابع: في الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي]
الامر الثاني: رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: «أتاه رجل فقال له: وقعت فأرة في خابية فيها سمن، أو زيت، فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر (عليه السّلام): لا تأكله، فقال له الرجل: الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها، فقال له أبو جعفر (عليه السّلام): إنّك لم تستخف بالفأرة، وإنّما استخففت بدينك، إنّ الله حرم الميتة من كلّ شيء»[i].
وتقريب الاستدلال بها: هو أنّه (عليه السّلام) جعل ترك الاجتناب عن الطعام الذي وقعت فيه الفأرة استخفافاً بالدين.
ووجه الاستخفاف بالدين: هو أنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء، سواء كانت كبيرة أم صغيرة كالفأرة.
وعليه، فلو لم يكن وجوب الاجتناب عن الميتة بنفسه يقتضي وجوب الاجتناب عن الطعام الملاقي للميتة، لم يكن الجواب في محلّه، إذ لو كان وجوب الاجتناب عن الملاقي من دليل آخر غير وجوب الاجتناب عن الميتة، لكان ترك الاجتناب عن الطعام الملاقي للميتة استخفافاً بذلك الدليل، لا استخفافاً بتحريم الميتة، كما لا يخفى.
وفيه: أولاً: أنّ الرواية ضعيفة السند بعمرو بن شمر الجعفي.
وثانياً: أنّ الراوية لا تدلّ على أنّ نجاسة الملاقي عين نجاسة الملاقَى بالفتح، بحيث تكون الملاقاة موجبة لاتساع دائرة النجس، كاتساعها في صورة اتصال الماء النجس بغيره وامتزاجه به، بل هي ظاهرة في كون السائل استبعد كون الفأرة على صغرها مؤثّرة لهذا الأثر الموجب لترك الطعام، فأجابه الإمام (عليه السّلام) بأنّه لا فرق في وجوب الاجتناب عن ملاقي الميتة بين كونها صغيرة أو كبيرة، ولا ظهور لها في كون نجاسة الملاقي عين نجاسة الملاقى بالفتح.
وعليه، فالإنصاف: هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة، فإنّ المفهوم من صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السّلام): «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء»، هو أنّ الماء غير البالغ قدر كرٍّ ينفعل بالنجاسة، بحيث يكون نجاسة الشيء سبباً لنجاسة الماء، فإنّ المرتكز في أذهان العرف والمتشرّعة كون نجاسة الملاقِي بالكسر ناشئة وآتية من نجاسة الملاقى بالفتح، بحيث كانت نجاسة الملاقى بالفتح علّة لنجاسة الملاقي.
ومن هنا، كان المرتكز في أذهانهم عدم سراية النجاسة من الدّاني إلى العالي، إذ يستحيل نجاسة الماء العالي الوارد على النجس.
وممّا يؤيّد ما ذكرناه، هو بناء الأعلام على السببيّة والمسببيّة بينهما، وأنّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسببّي، وهذا لا يتمّ إلاّ على الوجه الثاني.
والخلاصة: إنّ الوجه الأوّل، والوجه الثالث، لا شاهد لهما من الأخبار، ولا من كلمات الأعلام، ولا هما مرتكزان في أذهان العرف، فالمتعيّن هو الوجه الثاني. وعليه، فعلى القول باقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية، لا بدّ من الاقتصار في وجوب الاجتناب على خصوص الملاقى بالفتح والطرف الآخر، نظراً إلى جريان أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر بلا معارض، وذلك لأنّ المانع عن جريان الأصل بناءً على الاقتضاء إنّما هو ابتلاؤه بمعارضة جريان الأصل في الطرف الآخر، وبعد مسببيّة الشكّ في نجاسة الملاقي بالكسر عن الشكّ في نجاسة الملاقى بالفتح، وسقوط الأصل الجاري في الطرف الآخر بمعارضته مع الأصل الجاري في السبب -وهو الملاقَى بالفتح في المرتبة السابقة- يبقى الأصل الجاري في الملاقي بالكسر في ظرف جريانه بلا معارض.
والسرّ فيه: هو أنّ الأصل الجاري في الشكّ السببي ليس في رتبة الأصل الجاري في الشكّ المسبّبي ليجريان معاً، بل رتبة الأصل السببي مقدّمة على الأصل المسببي ولا تصل النوبة إليه مع جريان الأصل السببّي، وإنّما تصل النوبة إلى الأصل المسببي عند عدم جريان الأصل السببي، فأصالة الطهارة الجارية في الملاقِي بالكسر ليست في عرض أصالة الطهارة الجارية في الملاقَى بالفتح لتسقط بسقوطها. هذا كلّه على القول بالاقتضاء.
وأمّا على القول بعلّية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي ولو في بعض الأطراف، كما هو الإنصاف عندنا، فحيث إنّ الملاقي بالكسر بنفسه يكون طرفاً للعلم الاجمالي بالنجاسة بينه وبين الطرف الآخر، لأنّه عند العلم بنجاسة أحد الشيئين وملاقاة ثالث لأحدهما يحصل عندنا علمان اجماليان، علم بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف الآخر، وعلم بنجاسة الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر، وحصول هذين العلمين الاجماليين أمر وجداني لا سبيل إلى إنكاره، إلاّ أنّه لمّا كان العلم الاجمالي الثاني، أي العلم بنجاسة الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر، ناشئاً عن العلم بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف الآخر، فلا شبهة حينئذٍ في اختصاص التأثير بالعلم الاجمالي الأوّل السابق، أي العلم بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف الآخر، وأنّه لا أثر معه للعلم الاجمالي المتأخّر رتبة من جهة تنجّز التكليف بالاجتناب عن الطرف الآخر في المرتبة السابقة بالعلم الاجمالي السابق رتبة، إذ يعتبر في منجّزية العلم الاجمالي أن لا يكون مسبوقاً بمنجّز آخر موجب لتنجّز أحد طرفيه، وإلاّ فيخرج عن صلاحية المنجّزية، ومعه يرجع الشكّ في نجاسة الملاقِي بالكسر ووجوب الاجتناب عنه إلى الشكّ البدوي، فتجري فيه أصالة الطهارة.

ثمّ إنّه قد استشكل على خصوص الاجتناب عن الملاقى بالفتح والطرف الآخر دون الملاقي بالكسر. وحاصله: إنّ التكليف بالملاقي بالكسر وإن كان آتياً من قبل التكليف بالملاقى بالفتح، وبذلك تكون رتبة الأصل الجاري في السبب -وهو الملاقى بالفتح- متقدّمة على الأصل الجاري من الملاقي بالكسر، ولا تصل النوبة إليه مع جريان الأصل السببي، إلاّ أنّه بعد سقوط أصالة الطهارة في الملاقى بالفتح بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر ينتهي الأمر إلى أصل مسبّبي آخر، وهي أصالة الحلّية من جهة سببيّة الشكّ في حلّية كلّ من الملاقى والطرف الآخر عن الشكّ في طهارته، وحيث إنّ هذا الأصل في عرض أصالة الطهارة الجارية في الملاقي بالكسر، فلا محالة في هذه المرتبة تسقط الأصول الثلاثة -وهي أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر، وأصالة الحلّية في الملاقي بالفتح، وأصالة الحلّية في الطرف الآخر- وبعد سقوطها تصل النوبة إلى أصالة الحلّية في الملاقي بالكسر لسقوط معارضها، وهي أصالة الحلّية في الطرف في المرتبة السابقة، فيلزم الحكم حينئذٍ بجواز شربه مع عدم صحّة الوضوء به، مع أنّ هذا التفكيك ممّا لا قائل به، فإنّ كلّ من قال بجواز شربه، قال بصحّة الوضوء به، لأصالة الطهارة.

 

[i] وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الماء المضاف والمستعمل، ح2.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1106
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 13-03-2017
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12