[أصالة الاشتغال: تنبيهات العلم الإجمالي]
[التنبيه الرابع: في الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي]
ثمّ إنّه وقع الخلاف في بعض الموارد من حيث كون المعلوم بالإجمال جزء الموضوع للحكم أم تمامه. نذكر منها موردين:
المورد الثاني: ما إذا علم اجمالاً بغصبية إحدى الشجرتين، ثمّ حصلت لأحدهما ثمرة دون الأخرى.
فقد يقال فيه بجواز التصرف في الثمرة تكليفاً، وبعدم ضمانها وضعاً، باعتبار أنّ الموجب لحرمة الثمرة كونها نماء المغصوب وهو مشكوك فيه، والأصل عدمه. كما أنّ موضوع الضمان وضع اليد على مال الغير، وهو أيضاً مشكوك فيه، والأصل عدمه، فالعلم الاجمالي بغصبيّتة إحدى الشجرتين لا يترتّب عليه الحكم بحرمة التصرف، ولا الضمان بالنسبة إلى الثمرة لأحدهما، للشكّ في تحقق الموضوع، والأصل عدمه.
نعم، يترتّب عليه الحكم بحرمة التصرف في نفس الشجرتين وضمان المغصوب منهما بوضع اليد عليه.
هذا وقد ذهب الميرزا النائيني (رحمه الله) إلى أنّ العلم بغصبيّة إحدى الشجرتين، كما يترتّب عليه ضمان نفس العين المغصوبة، كذلك يترتّب عليه ضمان منافعها المتجدّدة. بدعوى: أنّ وضع اليد على العين المغصوبة موجب لضمانها وضمان منافعها إلى الأبد، لأنّه بأخذ العين يتحقق أخذ المنافع، أو أنّ أخذ العين مستتبع لأخذ المنافع. ومن هنا جاز للمالك الرجوع إلى الغاصب الأوّل في المنافع المتجدّدة الحاصلة بعد خروج العين عن يده ودخولها تحت الأيادي المتأخرة. هذا بالنسبة إلى الحكم الوضعي.
كما أنّه بالنسبة إلى الحكم التكليفي ذهب (رحمه الله) إلى حرمة التصرف في الثمرة، لأنّ وجوب الاجتناب عن منافع المغصوب ممّا يقتضيه وجوب الاجتناب عن نفس المغصوب، فإنّ النهي عن التصرّف في المغصوب نهي عنه وعن توابعه ومنافعه، فيكفي في وجوب الاجتناب عن المنافع المتجددة فعليّة وجوب الاجتناب عن ذي المنفعة وتنجّزه بالعلم التفصيلي أو الاجمالي، فلو فرض أنّ الشجرة المثمرة كانت هي المغصوبة، فوجوب الاجتناب عن ثمرها المتجددّ وإن لم يكن فعليّاً، لعدم وجود موضوعه، إلا أنّه يكفي في وجوب الاجتناب عنها فعليّة وجوب الاجتناب عن نفس الشجرة بما لها من المنافع والتوابع، وحينئذٍ تسقط أصالة الحلّ عن الثمرة بنفس سقوطها عن ذي الثمرة بالمعارضة لأصالة الحلّ في الطرف الآخر وهي الشجرة غير المثمرة، فلا تجري أصالة الحلّ في الثمرة بعد وجودها، وفقدان طرف العلم الاجمالي.
وقِسْ على ذلك الدار ومنافعها والمحل وذا الحمل، وساير ما كان لأحد الأطراف منافع متجددة دون الآخر.
أقول: مقتضى الإنصاف: أنّه لا مجال لتوهّم أنّ التكليف بحرمة التصرّف في الثمرة من تبعات التكليف بعدم جواز التصرف في الشجرة المغصوبة وشؤونه، وأنّه يكفي في تنجّزه تنجّز التكليف بحرمة التصرف في الشجرة المغصوبة، وذلك لأنّ التكليف المتوجّه إلى الثمرة في طول التكليف المتوجّه إلى الشجرة، وفي مثله لا يكون العلم الاجمالي بين الثمرة والشجرة الأخرى إلاّ في طول علم آخر بين الشجرتين. فمع فرض عدم الابتلاء بثمرة شجرة أخرى لا وجه للاجتناب عن هذه الثمرة، لأنّ الثمرة تعلّق بها تكليف مستقلّ عن تكليف الشجرة، ومع عدم إحراز الموضوع لا يترتّب النهي الفعلي، لأنّ موضوعه ملك الغير، المشكوك فعلاً، لا سيّما مع استصحاب عدم ملكية الغير، ولا يعارضه استصحاب عدم ملكية أخرى، لما عرفت من أنّه لا مانع عن جريان الاستصحابين، إذا لم يستلزم مخالفة عملية.
نعم، على مبنى الميرزا (رحمه الله) لا يجري الاستصحاب هنا، وإن لم يستلزم المخالفة العملية، لما ذكره من عدم جريان الأصل التنزيلي في أطراف العلم الاجمالي وإن لم يكن نافياً للتكليف.
ثمّ إنّ الوجه في كون التكليف المتوجّه إلى الثمرة في طول التكليف المتوجّه إلى الشجرة، هو أنّ ملك النماء والمنفعة من آثار ملكية العين، بحيث أخذ ملكية العين علّة لملك النماء والمنفعة. وعليه، فلا شبهة في أنّ التكليف المتولّد من هذه الملكية يصير في طول التكليف المتولّد من ملكية العين.
وأمّا القول بأنّ أصالة الحلّ ساقطة في الثمرة بنفس سقوطها عن ذي الثمرة لأجل معارضتها بأصالة الحلّ في الطرف الآخر، وهي الشجرة غير المثمرة، فلا تجري حينئذٍ أصالة الحلّ في الثمرة بعد وجودها وفقدان طرف العلم الاجمالي، فهو في غير محله في الشجرة المثمرة، لمعارضته بالأصل الجاري في الشجرة غير المثمرة، فيبقى الأصل الجاري، وهو أصالة الحلّ في الثمرة بلا معارض.
وأمّا على القول بعلّية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي ولو في بعض الأطراف، كما هو الإنصاف عندنا. فنقول: إنّه لا أثر للعلم الاجمالي بغصبيته الثمرة أو الشجرة غير المثمرة، لأنّ هذا العلم الاجمالي متأخّر رتبة عن العلم الاجمالي بغصبية الشجرة المثمرة أو الشجرة غير المثمرة، لما عرفت، من أنّ ملك الثمرة من آثار ملكيّة العين، بحيث أخذ ملكية العين علّة لملك الثمرة والنماء، فيكون التكليف في الثمرة في طول التكليف المتولّد من ملكية العين، وبما أنّ التكليف بالاجتناب عن الشجرة غير المثمرة قد تنجّز بالعلم الاجمالي بغصبية الشجرة المثمرة أو الشجرة غير المثمرة، فلا أثر حينئذٍ للعلم الاجمالي المتأخّر رتبة، أي العلم الاجمالي المتأخّر بغصبية الثمرة أو الشجرة غير المثمرة، لأنّه يشترط في منجّزية العلم الاجمالي أن لا يكون مسبوقاً بمنجّز آخر موجب لتنجّز أحد طرفيه، كما فيما نحن فيه، حيث التكليف بالاجتناب عن الشجرة غير المثمرة قد تنجّز بالعلم الاجمالي السابق رتبة، ومنه يكون الشكّ في الاجتناب عن الثمرة شكّاً بدوياً، فيجري فيه أصالة الحلّية.
ثمّ إنّك قد عرفت، أنّه مهما كان المعلوم بالاجمال تمام الموضوع للحكم، فلا بدّ من ترتيب آثار ذلك الحكم على كلّ واحد من الأطراف، وهذا بخلاف ما إذا كان المعلوم بالاجمال جزء الموضوع للحكم، فإنّه لا يترتّب ذلك الحكم على كلّ واحد من الأطراف، ومنه إقامة الحدّ على من شرب أحد طرفي المعلوم بالاجمال، فإنّ الخمر المعلوم في البين إنّما يكون تمام الموضوع بالنسبة إلى حرمة شربه وفساد بيعه.
|