ثمّ إنّه ينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: قال المصنّف في الذكرى: «تستحبّ صلاة النوافل المقصورة في الأماكن الأربعة، لأنّه من باب إتمام الصّلاة المنصوص عليه، ونقله الشيخ نجيب الدين محمد بن نما عن شيخه محمّد بن إدريس، ولا فرق بين أن يتمّ الفريضة أو لا، ولا بين أن يصلّي الفريضة خارجاً عنها، والنافلة فيها، أو يصلّيهما معاً فيها».
ثمّ إنّه يظهر من جماعة من الأعلام سقوط النوافل المزبورة حتّى في الأماكن الأربعة.
والإنصاف: هو ما ذكره المصنِّف في الذكرى، وذلك لأنّ النافلة لازمة لصلاحيّة كون الصّلاة تامّة.
وقد عرفت أنّ الدليل القويّ على سقوط نافلة النهار في السفر هو الروايات الكثيرة المتقدّمة، حيث ورد فيها: «أنّ الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما، ولا بعدهما شيء».
ولا يخفى انصرافها عن الأماكن الأربعة التي يجوز فيها التمام، بل هو أفضل، وإن كان القصر أحوط.
وبالجملة: فصلاحيّة النافلة تَتْبَع صلاحيّة الإتمام، كما أنّ سقوطها يتبع تعيّن القصر، ومن هنا تعرف عدم سقوط النافلة عن المسافر الذي حكمه التمام كالذي يكون عمله في السفر، أو سفره سفر معصية، ونحو ذلك.
وممّا ذكرنا من كون صلاحيّة النافلة تتبع صلاحيّة الإتمام تعرف أيضاً عدم سقوط النافلة عمّن دخل وقت الفريضة عليه وهو حاضر، وإن كانت نيّته السفر بعد ذلك، والصّلاة قصراً في الطريق، والله العالم.
الأمر الثاني: هل يجوز قضاء ما يتركه المسافر من النوافل اليوميّة، أم لا؟
ولا بدّ من استعراض الأخبار الواردة في المقام، حتّى يتَّضح حال المسألة.
فبعض الأخبار ظاهرة في سقوط القضاء كالأداء:
منها: صحيحة سيف التمّار عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: قال له بعض أصحابنا: إنَّا كنَّا نقضي صلاة النَّهار إذا نزلنا بين المغرب والعشاء الآخرة، فقال: لا، الله أعلم بعباده حين رخّص لهم، إنّما فرض الله على المسافر ركعتين، لا قبلهما، ولا بعدهما شيء، إلاّ صلاة الليل على بعيرك، حيث توجه بك»[i]f76، وسيف التمار هو نفسه سيف بن سليمان التمّار الكوفي الثقة.
ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: الصَّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما، ولا بعدهما شيء، إلاَّ المغرب، فإنّ بعدها أربع ركعات، لا تدعهنّ في سفرٍ، ولا حضر، وليس عليك قضاء صلاة النَّهار، وصلّ صلاة الليل، واقضه»[ii]f77.
ويظهر من بعض الأخبار الأخر استحباب القضاء:
منها: حسنة سدير «قال: قال أبو عبد الله عليه السلام كان أبي يقضي في السفر نوافل النّهار بالليل، ولا يتمّ صلاة فريضة»[iii]f78.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمار «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقضي صلاة النَّهار بالليل في السفر؟ فقال: نعم، فقال له إسماعيل بن جابر: أقضي صلاة النَّهار بالليل في السفرِ؟ فقال: لا، فقال: إنَّك قلتَ: نعم، فقال: إنّ ذلك يطيق، وأنت لا تطيق»[iv]f79.
ومنها: خبر عمر بن حنظلة «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك! إنِّي سألتك عن قضاء صلاة النهار بالليل في السفر فقلت: لا تقضها، وسألك أصحابنا فقلت: اقضوا، فقال لي: أفأقول لهم: لا تصلّوا (أو: إني أكره أن أقول لهم: لا تصلّوا خ ل)، والله ما ذاك عليهم»[v]f80، ولكنّه ضعيف لعدم وثاقة عمر بن حنظلة.
ويُجمع بين الأخبار: بحمل الروايات النافية للقضاء على عدم تأكّد الاستحباب.
وعليه، فيستحبّ قضاء النوافل النهاريّة الفائتة، ولكنّ ثوابها ليس كثواب الاستحباب المؤكّد.
وأمّا الجمع بين الأخبار بحمل الفعل على الجواز أي: لا إثم في القضاء، وإن لم يكن مسنوناً فغير صحيح، لأنَّ العبادة لا تكون إلاّ راجحة، ولا يمكن أن تكون متساوية الطرفَيْن، والله العالم.
[i] الوسائل باب 22 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح3.
[ii] الوسائل باب 21 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح7.
[iii] الوسائل باب 22 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح4.
[iv] الوسائل باب 22 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح1.
[v] الوسائل باب 22 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح2.
|