• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 27 _ الاصول العملية: البراءة 25 .

الدرس 27 _ الاصول العملية: البراءة 25

[أدلة الاخباريين على وجوب الاحتياط]
*قال صاحب الكفاية: واحتج للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجّة بالأدلّة الثلاثة...*
قد أشرنا سابقاً: أنّ الإخباريين ذهبوا إلى وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية، وأمّا الشبهات الحكمية الوجوبية فالمعروف بينهم عدم وجوب الاحتياط فيها، إلاّ ما حكي عن محمد أمين الإسترآبادي ونَفَرٍ يسير غيره من القول بوجوب الاحتياط فيها.
قال الشيخ الأنصاري (رحمه الله): «والمعروف من الإخباريين هنا موافقة المجتهدين في العمل بأصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط. قال المحدّث الحرّ العاملي في باب القضاء من الوسائل: «إنّه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشك في الوجوب إلا إذا علمنا اشتغال الذمة بعبادة متعينة وحصل الشك بين الفردين، كالقصر والتمام والظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد أو أثنين، ونحو ذلك، فإنّه يجب الجمع بين العبادتين، لتحريم تركهما معاً للنص وتحريم الجزم بوجوب أحدهما لا بعينه عملاً بأحاديث الاحتياط». قال الشيخ الانصاري: انتهى موضع الحاجة». ثمّ قال الشيخ الانصاري: «وممّن يظهر منه وجوب الاحتياط هنا المحدّث الإسترآبادي، حيث حكى عنه في الفوائد المدنية أنّه قال: (إنّ عادة العامّة والمتأخرين من الخاصة جرت بالتمسك بالبراءة الأصلية. ولمّا أبطلنا جواز التمسك بها في المقامين، لعلمنا بأنّ الله تعالى أكمل لنا ديننا، علمنا بأنّ كل واقعة يحتاج إليها ورد فيها خطاب قطعي من الله تعالى خالٍ عن المعارض، وبأنّ كلّ ما جاء به نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) مخزون عند العترة الطاهرة (عليهم السّلام)، ولم يرخّصوا لنا في التمسّك بالبراءة الأصلية، بل أوجبوا التوقف في كلّ ما لم يعلم حكمه، وأوجبوا الاحتياط في بعض صوره، فعلينا أن نبيّن ما يجب أن يفعل في المقامين وسنحقّقه إن شاء الله تعالى)». قال الشيخ الانصاري: «وذكر هناك ما حاصله: وجوب الاحتياط عند تساوي احتمال الأمر الوارد بين الوجوب والاستحباب... إلخ». ثمّ قال الشيخ الانصاري: «وكيف كان فيظهر من المعارج القول بالاحتياط في المقام عن جماعة حيث قال: «العمل بالاحتياط غير لازم وصار آخرون إلى لزومه وفصّل آخرون» ... إلخ». (انتهى كلامه).
ثمّ قال صاحب الكفاية: «أما الكتاب، فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم، وعن الإلقاء في التهلكة، والآمرة بالتقوى... إلخ». (انتهى كلامه).

[الدليل الأول على وجوب الاحتياط: الكتاب العزيز]
من جملة الآيات الشريفة التي استدلّ بها للاحتياط: الآيات الناهية عن القول بغير علم، لكونه افتراء عليه سبحانه كقوله عزّ وجل: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُون﴾، وقوله سبحانه: ﴿قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُون﴾.
ووجه الاستدلال: أنّ الحكم بالترخيص في محتمل الحرمة قول بغير علم وافتراء عليه سبحانه وتعالى.
ومنها: ما دلّ على لزوم الورع والاتقاء ولزوم المجاهدة في الله، كقوله سبحانه: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾.
ووجه الاستدلال بهما: هو لزوم الاتقاء عمّا يحتمل الحرمة والمجاهدة بعدم ارتكابه، لكونه حق التقوى وحق الجهاد الذي أمر به في الآية الشريفة.
ومنها: ما دلّ على حرمة إلقاء النفس في التهلكة كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾.
ووجه الاستدلال بها: أنّ في ارتكاب المشتبه إلقاء للنفس في التهلكة، فيجب التوقّف والاحتياط.
ومنها: ما دلّ على المنع عن متابعة ما لا يعلم، والذي يظهر منه وجوب التوقف والاحتياط، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾.
والجواب: أمّا ما دلّ على النهي عن القول بغير علم، ففيه: أنّ مقتضى الأدلّة المتقدّمة من حديث الرفع وغيره تمنع عن أن يكون الحكم بالترخيص الظاهري قولاً بغير علم. وبعبارة أخرى: إنّه لا إشكال بين الأعلام في حرمة القول بغير علم، وأنّه تشريع محرّم، إلا أنّ الأصولي لمّا ذهب إلى القول بالترخيص الظاهري لم يذهب إليه بلا دليل حتى يكون تشريعاً محرّماً، بل أقام الدليل على الترخيص الظاهري، وهو ما تقدّم من الآيات والروايات وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلّف.
نعم، الحكم بالترخيص الواقعي وإن كان قولاً بغير علم، إلاّ أنّ القائل بالبراءة لا يدّعيه، وإنّما يقول بالترخيص الظاهري مقابل الإخباري القائل بوجوب الاحتياط.
وأمّا الجواب عمّا دلّ على لزوم الورع والاتقاء ولزوم المجاهدة. ففيه: أنّ ارتكاب الشبهة استناداً إلى ما يدلّ على الترخيص الظاهري لا يكون منافياً للتقوى والمجاهدة، بل المنافي لها هو ترك الواجبات وفعل المحرمات. أضف إلى ذلك: أنّ غاية ما تقتضيه هذه الآيات الشريفة هي الدلالة على رجحان هذه المرتبة من التقوى التي ينافيها ارتكاب الشبهة، لأنّ حقّ التقوى لا يكون إلا بإتيان المندوبات وترك المكروهات والمشتبهات، فتكون هذه المرتبة هي حقّ التقوى، لا تكون فوقها مرتبة، وهي راجحة عقلاً وشرعاً، كما يرشد لذلك قوله تعالى في آية أخرى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، فلا يستفاد منها الوجوب.
وأمّا ما دلّ على حرمة إلقاء النفس في التهلكة. ففيه: إن كان المراد من التهلكة هي العقوبة الأخروية، فهو مقطوع العدم بمقتضى أدلّة البراءة من النقل والعقل. وإن كان المراد منها التهلكة الدنيوية، فلا إشكال أنّه ليس في ارتكاب الفعل مع الشك في الحرمة احتمال الهلكة فضلاً عن القطع بها.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1058
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 16-11-2016
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29