• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 18 _ الاصول العملية: البراءة 16 .

الدرس 18 _ الاصول العملية: البراءة 16

وهذا بخلاف ما ذهب إليه الشيخ آغا ضياء الدين العراقي حيث قال: «ولكن يمكن أن يقال بشمول الرواية للشبهات الحكمية نظراً إلى إمكان فرض الانقسام الفعلي فيها أيضاً، كما في كلّي اللحم، فإنّ فيه قسمين معلومين حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الأرنب، وقسم ثالث مشتبه وهو لحم الحمير لا يُدرى بأنّه محكوم بالحلية أو الحرمة. ومنشأ الاشتباه فيه هو وجود القسمين المعلومين، فيقال بمقتضى عموم الرواية أنّه حلال حتى تعلم حرمته، بل يمكن فرضه في لحم الغنم أيضاً بالإضافة إلى أجزائه، فإنّه ممّا يوجد فيه قسمان معلومان، وقسم ثالث مشتبه، كالقلب مثلاً، فلا يدري أنّه داخل في الحلال منه أو الحرام، فيقال إنّه حلال حتى يعلم كونه من القسم الحرام ويخرج بذلك عن دائرة المشتبهات المحكوم فيها بالحليّة، وبعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذي يوجد في نوعه القسمان المعلومان، يتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل». (انتهى كلامه). وفيه: أنّ ما ذكره لم يكتب له التوفيق، وذلك لأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «فيه حلال وحرام»، أنّ منشأ الشك في الحلية والحرمة هو نفس انقسام الشيء إلى الحلال والحرام، وهذا لا ينطبق على الشبهة الحكمية، فإنّ الشك في حلّية لحم الحمير مثلاً ليس ناشئاً من انقسام كلي اللحم إلى الحلال والحرام، بل هذا النوع مشكوك فيه من حيث الحلّية والحرمة ولو على تقدير حرمة جميع اللحم أو حلّيته، وهذا بخلاف الشبهة الموضوعية، فإنّ الشك في حلّية مائع موجود في الخارج ناشئ من انقسام المائع إلى الحلال والحرام، إذ لو كان المائع بجميع اقسامه حلالاً أو بجميع أقسامه حراماً، لما شككنا في هذا المائع الموجود في الخارج من حيث الحلية والحرمة.
والخلاصة إلى هنا: إنّه لا يصحّ الاستدلال بروايات الحلّ على البراءة في الشبهات الحكمية الكلّية، لضعف دلالتها، مضافاً لضعف أكثرها من حيث السند.

نعم، لو كان الوارد في الرواية هكذا: «كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام» من دون لفظة «بعينه» أو شيء آخر، لكانت الرواية عامّة للشبهات الحكمية والموضوعية، مثل موثقة عمار: «كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر»[1]، ولكن الموجود في الرواية لفظة «بعينه» وهذه توجب ظهور الرواية في الشبهة الموضوعية فقط. والله العالم.

[حديث السعة]
*قال صاحب الكفاية: «ومنها قوله (عليه السّلام): «الناس في سعة ما لا يعلمون، فهم في سعة ما لم يعلم، أو مادام لم يعلم وجوبه أو حرمته...*
أقول: إنّ هذا الحديث بهذه الألفاظ غير موجود في كتبنا، وإنّما هو محكي عن بعض كتب العامة.

ونقل المحقق القمي (رحمه الله) الحديث بنحو آخر، قال في القوانين: «الناس في سعة ممّا لم يعلموا... الخ». (انتهى كلامه).
ونقله في الحدائق هكذا: «الناس في سعة ما لم يعلموا... إلخ». (انتهى كلامه).
ومهما يكن، فالرواية ضعيفة بالإرسال.

نعم، ورد في رواية ما يقرب منه لفظاً ويوافقه معنى، وهي موثقة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السّلام): «أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين. فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل، لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل له: يا أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا يُدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتى يعلموا»[2]. ولكن هذه الموثقة: أوّلاً: موردها الشبهة الموضوعية وهو اللحم والخبز والجبن والبيض، ولا إطلاق فيها. وثانياً: أنّها خارجة عن محلّ الكلام، لأنّ الحلّ فيها مستند إلى أمارة، وهي كون هذه الأمور في أرض المسلمين، وهي أمارة على التذكية، فالحلّ فيها مستند إليها لا إلى قاعدة الحلّ. نعم، باقي الأمور في الرواية مستند إلى أصالة الطهارة.

إذا عرفت ذلك، فلنرجع إلى أصل المطلب، وهي الرواية التي ذكرها صاحب الكفاية والشيخ الأنصاري وغيرهما من الأعلام، وهي المرسلة المتقدمة، «الناس في سعة ما لا يعلمون».
قال الشيخ الأنصاري: «فإنّ كلمة ما إمّا موصولة أضف إليها السعة، وإمّا مصدرية ظرفية، وعلى التقديرين يثبت المطلوب». (انتهى كلامه). ووافقه على ذلك كثير من الأعلام منهم صاحب الكفاية.
وحاصل الكلام: إنّ كلمة «ما»:
إمّا موصولة قد أضيف إليها السعة بلا تنوين، فحالها حال الموصول فيما لا يعلمون في حديث الرفع، فنستدلّ بها على البراءة في الشبهات الحكمية الكلّية والموضوعية، ولا يخفى أنّ الضمير العائد إلى الموصول محذوف، أي الناس في سعة الحكم الواقعي الذي لا يعلمونه.
وإمّا مصدرية ظرفية، فيدلّ أيضاً على المطلب، لدلالتها حينئذٍ على أنّ المكلف في سعة ما دام جاهلاً، وحيث إنّه لا بدّ للسعة من متعلّق، فليس متعلّقها الموسع فيه إلاّ الحكم الواقعي المجهول مطلقاً، سواء كان منشأ الشك والجهل به فقد النص، أو اجماله، أو تعارض النصين، أم اختلاط الأمور الخارجية.
ولكن حكي عن الميرزا النائيني أنّه بناءً على أنّ كلمة (ما) مصدرية ظرفية لا يصحّ الاستدلال بالرواية، إذ المعنى حينئذٍ أنّ الناس في سعة ما داموا لم يعلموا، فيكون مفاد الرواية مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فليس متعلّق السعة الموّسع فيه هو الحكم الواقعي المجهول لتدلّ على المطلب. وبناءً عليه، تكون أدلّة وجوب الاحتياط بناءً على تماميتها حاكمة على هذه الرواية، لأنّها بيان.
أقول: إنّ ما ذكره الميرزا النائيني -بناءً على كون كلمة (ما) مصدرية ظرفية- من عدم دلالة الرواية على المطلب هو الصحيح، إذ لا حكم شرعي مجهول في موردها حتى يكون الناس في سعة منه، فيكون مفادها مفاد قبح العقاب بلا بيان. ولكن الإنصاف: أنّ كلمة «ما» ليست مصدرية ظرفية، بل هي موصولة لأنّ كلمة «ما» المصدرية لا تدخل على الفعل المضارع، وإنّما تدخل على الفعل الماضي لفظاً أو معنى فقط، ولو سلّم دخولها على المضارع أحياناً، فلا ريب في شذوذه. وعليه، فلو تمّت الرواية سنداً، لصحّ الاستدلال بها على المطلب.

 

[1] وسائل الشيعة، باب 37 من أبواب النجاسات، ح4.

[2] وسائل الشيعة، باب 50 من أبواب النجاسات، ح11.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1049
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 01-11-2016
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29