(1) المعروف بين الأعلام: أنَّ المرأة إذا تركت الصَّلاة مع الاستحلال ارتداداً لا تقتل بذلك، وإن كانت عن فطرة، بل تُحبس، وتضرب أوقات الصَّلاة، حتّى تتوب، أو تموت.
ويدلّ على ذلك روايتان:
الأُولى: معتبرة ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله J: «في المرتدّ يُستتاب، فإن تاب وإلاَّ قُتِل، والمرأة إذا ارتدت استتيبت فإن تابت وإلاَّ خُلِّدت في السجن، وضيّق عليها في حبسها»[i]f569، والرواية معتبرة، لأنَّ الإرسال فيها غير مضر، لكونه عن غير واحد، وقد عرفت سابقاً أنّ غير واحد عرفاً تطلق على جماعة من الأشخاص، ومن البعيد جدّاً أن يكونوا كلّهم ضعفاء، أو مجهولي الحالي، بل يطمأنّ بوجود الثقة فيهم، لا سيّما وأنّ الرواي عنهم ابن محبوب المعروف بين الأعلام.
الثانية: موثّقة عبّاد بن صُهَيْب عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: المرتدّ يُستتاب، فإن تاب وإلاَّ قُتِل، والمرأة تُستتاب، فإن تابت وإلاَّ حُبِست في السجن، وأُضِرَّ بها»[ii]f570.
وأمَّا الخنثى المشكل: فهي كالأنثى في عدم جواز قتلها، لأصالة حقن الدماء.
لا يُقال: إن حكمها حكم الذكر، لإطلاق ما دلّ على قتل المرتد المقتصر في رفع اليد عنه على ما علم أنوثيته.
فإنَّه يُقال: لا يصح التمسك بالإطلاق، لأنه تمسك به في الشبهات المصداقيّة، لأن الفرض أنه لا يعلم أنَّ الخنثى رجل أو امرأة، فتكون شبهة مصداقيّة، ومن المعلوم أنّ المرجع في الشبهات المصداقيّة الأصول العمليّة، لا أصالة العموم، أو الإطلاق.
(1) المعروف بين الأعلام أنَّ من ترك الصَّلاة غير مستحلّ لتركها، بل كان ذلك عصياناً، فإنّه بمجرد الترك كذلك لا يكون مرتداً وخارجاً عن الإسلام، إذِ احتمال الحكم بكفر تاركها وبراءة ملّة الإسلام منه، وأنّه ما بين الكفر والإيمان إلاّ ترك الصّلاة، كما في بعض الأخبار المشتمل على تعليل ذلك، بأنّ تركها ليس للذّة، بل ما هو إلاَّ للاستخفاف المستلزم للكفر، بخلاف الزنا، ونحوه من المعاصي، في غير محلِّه، مرغوب عنه بين الأصحاب، والنصوص محمولة على المبالغة في شأنها، أو على الترك ثلاثاً المساوي للكفر في القتل، أو الاستحلال، أو الاستخفاف، وعدم الاعتناء في الأمر بها، لا ما إذا كان الترك للاشتغال بملاذ الدنيا، وحبّ الرّاحة، خصوصاً في بعض الأوقات.
والخلاصة: أنّه لا ريب عند الأصحاب في مساواة الترك للصّلاة لسائر الكبائر التي حكمها عند المشهور القتل في الثالثة المسبوقة بالتعزيرَيْن، وعن بعض الأعلام كما في الإرشاد والمبسوط والموجز وكشف الالتباس : أنّه لا يقتل إلاّ في الرابعة، بل حكى المصنِّف رحمه الله هنا وفي الذكرى عن المبسوط: أنَّه لا يُقتل فيها إلاَّ بعد أن يُستتاب، فإنّ امتنع قُتِل، ووافقه المحقِّق رحمه الله في المعتبر.
وقد يُستدلّ للمشهور بصحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، وعبّر عنها المصنِّف رحمه الله في الذكرى برواية الأصحاب عن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام «قال: أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدود مرتين قُتِلوا في الثالثة»[iii]f571.
ويؤيِّده بعض الأخبار:
منها: صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: مَنْ شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه»[iv]f572.
ومنها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام «أنَّه قال: في شارب الخمر: إذا شرب ضُرِب، فإن عاد ضُرِب، فإن عاد قُتِل في الثالثة»[v]f573.
ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام «كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أُتِي بشارب الخمر ضربه، ثمَّ إن أُتِي به ثانيةً ضربه، ثمَّ إن أُتِي به ثالثةً ضَرَب عنقَه»[vi]f574، وهي ضعيفة، لاشتراك المعلَّى الوارد في السند بين عدَّة أشخاص، ولم يحرز أنَّه ابن عثمان الثقة.
ومنها: موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام«قال: سألتُه عن رجلٍ أخذ في الشهر رمضان، وقد أفطر ثلاث مرات، وقد رفع إلى الإمام ثلاث مرات، قال: يُقتل في الثالثة»[vii]f575.
وروى الشيخ نحوه بطريق صحيح (نفس المصدر).
ومنها: صحيحة أبي خديحة عن أبي عبد الله عليه السلام «قَالَ: لَيْسَ لِامْرَأَتَيْنِ أَنْ تَبِيتَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، فَإِنْ فَعَلَتَا نُهِيَتَا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ وُجِدَتَا مَعَ النَّهْيِ جُلِدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَدّاً حَدّاً، فَإِنْ وُجِدَتَا أَيْضاً فِي لِحَافٍ جُلِدَتَا، فَإِنْ وُجِدَتَا الثَّالِثَةَ قُتِلَتَا»[viii]f576.
ورواه الصدوق رحمه الله بإسناده عن عبد الرحمان بن أبي هاشم مثله، إلاَّ أنَّه قال في أوّله: «لا ينبغي لامرأة وقال في آخره: فإن وجدتا الرابعة قتلتا»[ix]f577، ولكنّه ضعيف، لعدم ذكر الشيخ الصدوق رحمه الله طريقه إلى عبد الرحمان بن أبي هاشم.
وإنما جعلنا هذه الروايات مؤيِّدة، ولم نجعلها أدلّة لورودها في موارد خاصّة، فيحتمل أن يكون لهذه الموارد خصوصيّة.
وإن كان الإنصاف: أنَّه من مجموع هذه الأخبار وغيرها ممَّا لم نذكره يستنتج أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة، فتكون هذه الأخبار دليلاً إضافيّاً.
وأمَّا من ذهب إلى أنّه يُقتل في الرابعة فقد يُستدلّ له بما حُكِي عن الشيخ رحمه الله في المبسوط أنَّه قال: «رُوي عنهم S: أنَّ أصحاب الكبائر يُقتلون في الرابعة»[x]f578، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، مع إعراض الاصحاب عنها.
وقد استُدلّ له أيضاً برواية أبي خديجة «قال: لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحافٍ واحد إلاَّ وبينهما حاجز، فإن فعلتا نُهيتا عن ذلك، فإن وجدهما بعد النهي في لحافٍ واحدٍ جلدتا كلّ واحدة منهما حدّاً حدّاً، فإن وجدتا الثالثة في لحافٍ حدّتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا»[xi]f579.
وفيها أوّلاً: أنّها ضعيفة بالإضمار.
وثانياً: أنَّه هو رَوى عن أبي عبد الله عليه السلام بطريق صحيح كما تقدّم القتل في الثالثة.
وقد يستدلّ أيضاً برواية الكليني «قال: قال جميل: ورُوي عن بعض أصحابنا أنّه يُقتل في الرابعة»[xii]f580، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، مع ما عرفت من رواية جميل نفسه في الصحيحة السابقة للقتل في الثالثة.
[i] الوسائل باب 4 من أبواب حد المرتد ح6.
[ii] الوسائل باب 4 من أبواب حد المرتد ح4.
[iii] الوسائل باب 11 من أبواب حدّ المسكر ح2.
[iv] الوسائل باب 11 من أبواب حدّ المسكر ح3.
[v] الوسائل باب 11 من أبواب حدّ المسكر ح6.
[vi] الوسائل باب 11 من أبواب حدّ المسكر ح4.
[vii] الوسائل باب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان ح2.
[viii] الوسائل باب 2 من أبواب حدّ السّحق والقيادة ح1.
[ix] الوسائل باب 2 من أبواب حدّ السّحق والقيادة ح2.
[x] المبسوط: كتاب الصلاة/حكم قضاء الصلوات وحكم تاركها.
[xi] الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح25.
[xii] الوسائل باب 11 من أبواب حدّ المسكر ح7.
|